يعقوب زيادين والقدس.. لا تفسدوا صفحة بيضاء

تعد قصة انتخاب الدكتور يعقوب زيادين نائباً عن القدس من أشهر محطات تاريخ الحياة النيابية الأردنية، ورغم مرور 57 عاماً عليها إلا انها لا تزال تحظى بالاهتمام، ويجرى استحضارها في مناسبات كثيرة، وتخضع لكثير من عمليات التوظيف.
في السنوات الأخيرة عاد كثيرون مراراً للقصة، وقد تم إجراء المقابلات حولها مع زيادين نفسه، واستخدم آخرون الحكاية في خطبهم وكلامهم امام الناس، ونشر سياسيون وصحفيون متابعات ومقالات جرى فيها المرور على هذا الحدث.
يبلغ زيادين اليوم الثانية والتسعين من عمره، وربما يكون الرجل من أنبل وأصدق ما أنجبه الأردن من رجال، وفي آخر زيارة له قبل أيام كرر سؤاله المعتاد حول ما ينبغي عليه أن يقوم به في سبيل قضايا الناس والشعب ومواجهة العدو. ولا أبالغ إذا قلت أنني لم أشهد أردنيا محباً لفلسطين وكارهاً للعدو الصهيوني كما هو حال زيادين.
بالتأكيد، إن حدثاً مثل فوز قروي أردني من الكرك نائباً عن القدس يستحق الاهتمام، وبالتأكيد أيضاً أن مِن حق مَن يريد أن يقرأ الحدث كما يريد. ولكن ما لا يجوز هو أن يحصل للحدث، توظيف سياسي معاكس في الجوهر لمجمل سيرة زيادين بمتخلف أبعادها السياسية والاجتماعية وقبل ذلك الانسانية.
يرى أغلب "المهتمين الجدد" بفوز الشيوعي الكركي الأردني بمقعد عن القدس الفلسطينية، أن القصة تخدمهم في سياق دفاعهم عن استحقاقات الصلح مع العدو ونتائجه من توطين وتصفية، وتسخيف لحق العودة، والتهوين من قيمة النضال من أجل التحرير.
أيها الأخوة، لقد فاز يعقوب زيادين نائباً عن القدس وهو يناضل من أجل تحرير كامل فلسطين حينها. لقد كانت قضية الصراع مع العدو، هي القضية الجامعة الأساسية، بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
وقبل أن تقوموا بقراءاتكم "السوداء" لهذا الحدث الناصع البياض، عليكم أن تتذكروا المشهد كاملاً؛ ففي الأوساط الشعبية في الضفتين، كانت العبارة الأكثر استخداماً هي "الوحدة الكفاحية". والكفاح المقصود هنا لم يكن بأي حال من الأحوال كفاحاً من أجل التقاسم والمحاصصة السياسية، بل هو كفاح وطني ضد العدو، الى جانب كفاح اجتماعي ضد الاستغلال والظلم.
بهذا المعنى، لم تكن قصة يعقوب زيادين، وحيدة في هذا السياق، سواء بين الأردنيين في فلسطين، أو الفلسطينيين في الأردن. والقصص والحكايا والأحداث في هذا الميدان كثيرة جداً، يعرفها المخلصون لجوهر سيرة زيادين وخاصة في مجال العلاقة الكفاحية تلك.
حدثني الدكتور زيادين مؤخراً عن زيارات قام بها "نشطاء" في مجال التوطين والحقوق المنقوصة، يحملون أفكاراً وأوراقاً، ويريدون مباركته لجهودهم في مجال "الوحدة الوطنية"!!
أيها الاخوة، وبعد إذنكم بالطبع.. لا تسوّدوا صفحة بيضاء في تاريخ النضال من أجل فلسطين والأردن. اتركوا شيخنا ومعلمنا يكمل حياته كبيراً نبيلاً بعيداً عن صغائركم ومفاسدكم. ( العرب اليوم )