مرة ثانية عن الشيخ الخطيب

تُظهر رسالة الشيخ أحمد معاذ الخطيب لأعضاء الائتلاف الوطني السوري، أكثر من أي وقت مضى، أن الرجل ما زال قادراً على الإمساك ببوصلة المصلحة الوطنية السورية العليا، وأنه ما زال عصياً على الاحتواء من قبل بعض العواصم العربية والإقليمية..وهذا يعزز رهاننا على “وطنية” الرجل وصدق سريرته واستقلاليته، برغم الهجمات الجائرة التي يتعرض لها من بعض المعارضة وبعض النظام.
الشيخ الخطيب، مع قلة من رجالات ونساء الائتلاف، قاوموا فكرة “الحكومة المؤقتة” في “المناطق المحررة” التي تدفع قطر ومعها دول خليجية وإقليمية من أجل إخراجها إلى حيز التنفيذ، حجته في ذلك أن حكومة كهذا ستمهد لتقسيم سوريا من جهة، وستقضي على “الفرص القليلة المتبقية” لحل سياسي للأزمة السوري من جهة ثانية، وهو لذلك يفضل عليها صيغة “هيئة تنفيذية” تتولى إدارة “المناطق المحررة” من دون أن تأخذ شكل حكومة، وهو جادل رفاقه وإخوانه، بأن مقعد سوريا المرصود للمعارضة والمشروط بتشكيل هذه الحكومة، لا يستحق على أهميته، مثل هذه المجازفة بمستقبل البلاد والعباد.
المندفعون صوب إعلان “الطلاق البائن بينونة كبرى” مع الحلول السياسية، هم أنفسهم دعاة الحسم العسكري، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للانضواء تحت راية الائتلاف الوطني، و”مسايرة” اتجاه هبوب الريح الدولية صوب “الحوار” و”الحلول السياسية”..هؤلاء، ومن ورائهم داعميهم في العواصم ذاتها، لا يتركون فرصة تمر من دون التضييق على الشيخ وصحبه، ومن دون وضع العراقيل في وجه الموفدين والمبادرات ومشاريع الحلول السياسية، وتفاصيل القصة باتت معروفة لدى الجميع.
نجح الشيخ هذه المرة بالإطاحة بمشروع الحكومة المؤقتة، وقاوم ضغوطاً لا يعلم بها كثيرون مستنداً على حفنة من المؤيدين داخل الائتلاف لا تزيد عن أصابع اليدين، ساعده على ذلك التقاء طارئ للمواقف والحسابات بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، التي ترفض بدورها “الحكومة المؤقتة” ولكن لأسباب أخرى، بعيدة عن حسابات الشيخ وقراءاته.
الإخوان المسلون يرون أن الذهاب إلى حكومة الآن، سيرسي قواعد للعبة تقاسم الأدوار واقتسام المواقع والنفوذ، بما قد يفضي لتهميش الجماعة، وربما إعطائها أدواراً أقل مما تطلع إليه، أو أقل مما يمكنها نفوذها وحجمها من الحصول عليه..هم وفقاً لمصادر المعارضة المختلفة، يؤثرون ترك الأمور إلى ما بعد “الحسم مع النظام”، عندها سيقررون خوض معركة الحجوم والأوزان، وليس قبلها..وفي ذات السياق، ثمة مصادر موثوقة في المعارضة، تتحدث عن ترتيبات إخوانية بعيدة المدى، من أجل خوض غمار تلك المعركة المؤجلة، من بينها التدريب وتخزين السلاح والعتاد، استعداداً لقادمات الأيام، في مرحلة الأسد وما بعده.
والحقيقة أن مواقف الشيخ وصحبه، تلقى صدى طيباً لدى روسيا والصين، وحتى إيران، كما أنها تلتقي في “نقطة ما” مع مواقف واشنطن التي أبلغها جون كيري لعواصم زارها..منها أن إدارة أوباما ليست بوارد الاعتراف بحكومة في “المناطق المحررة”، وأنها تؤثر عليها صيغة هيئة تنفيذية تتولى إدارة شؤون هذه المناطق، ولا تقطع الطريق على التقارب الروسي – الأمريكي.
هو إذن صراع محاور إقليمية ودولية على عناوين المرحلة المقبلة في سوريا، ومحاولات توزيع جلد الدب قبل اصطياده، حيث تحرص هذه الأطراف المحتربة “بالوكالة”، على ضمان حصصها و”كوتاتها” مسبقاً، ومنذ الآن، حيث تستند هذه الأطراف إلى نفوذها في أوساط المعارضتين العسكرية والسياسية، إلا من رحم ربي من وطني سوريا وشرفائها، الذين يرفضون التعامل مع بلادهم بوصفها جزيرة يونانية يمكن شراؤها و”تغليفها” بورق الهدايا، لتقديمها في عيد ميلاد هذا النجل أو ذاك الحفيد.
لكننا ونحن نقول ذلك ونشدُّ بيدنا على الأيادي الممسكة بجمر المصالح والحقوق والكرامة السورية، نضع يدنا الأخرى على قلوبنا باستمرار..فالذين أحبطوا مبادرة الشيخ الحوارية والتوافقية من قبل، قادرون على إحباط مسعاه الحالي، وهم دائماً: النظام (عدو نفسه) الذي استخف بالمبادرة ونظر إليها من موقع “المنتصر”، وتعامل مع صاحبها من على قاعدة “عودة الابن الضال”..وبعض أطراف المعارضة الأنانية والمتطرفة والأكثر ارتباطاً بالمحاور والعواصم إياها، وستكشف لنا قادمات الأيام، حصيلة لعبة “صراع الإرادات” وعملية “المكاسرة” التي تجري في سوريا وعليها.