أمريكا ووصفاتها القاتلة!!

لا تختلف الوصفات السياسية كثيراً عن وصفات الدواء، فما يلائم مريضاً ما قد لا يلائم آخر، أما الأعراض الجانبية فهي التي تختلف لأن ما يصاحب الدواء أحياناً من غثيان أو صُداع يقابله في الأعراض الجانبية لوصفات السياسة حروب أهلية ودمار، واذا كان ليس من حقي لأنني لست طبيباً أن أتحدث عن وصفات الأدوية الأمريكية فإن ما تعاقب من فشل الوصفات السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة يستحق التوقف مطولاً، فهي كررت أخطاء في آسيا بدءاً من أعقاب الحرب العالمية الثانية يوم رفعت شعار ما بعد الاستعمار وانتقلت بتثاقل وخسائر باهظة من مستنقع آسيوي الى آخر، وان كان ترددها بالنسبة للأزمة السورية مجرد محاولة لعدم تكرار الوصفة التي قدمتها الى العراق، فانتهى بسببها بعد عشر سنوات الى ما هو عليه الآن، وهو لا يحتاج الى توصيف لأن الفضائيات على مدار الساعة تنقل حرائقه ومذابحه وانتحاراته.
وقد تكون الولايات المتحدة استثناء من الامبراطوريات التي افتقرت الى النقد الذاتي والمراجعة، وذات يوم كنت في حوار مع صديق فرنسي في باريس حول هذه المسألة فأخذني الى شوارع باريس القديمة وقال لي أن أزمة المرور في القرن التاسع عشر كانت أشد مما هي عليه الآن. ذلك لأن العربات التي تجرها الخيول ليس لديها «ريفرس» مما يضطرها الى الاستدارة الكاملة والولايات المتحدة ليس لديها أيضاً مثل هذا الاختراع، لهذا تكرر أخطاءها، وحين يظهر فيها من يحاول تنبيهها الى ذلك، تصاب بالاختناق. وهذا موقفها مع نعوم تشوسكي مثلما كان ذات يوم موقفها من ميلر وماركيوز وآخرين.
لقد أدى تكرار الوصفة الأفغانية الى أفغنة العراق. وقد ينتهي الى صوملة كالتي يحذر منها الآن الأخضر الابراهيمي في سورية.
ولم يذهب بعيداً هانتجتون صاحب أطروحة صراع الحضارات عندما قال قبل أكثر من عقد أن امريكا تحترف اختراع الأعداء، خصوصاً بعد البطالة المؤقتة التي عاشتها في أعقاب الحرب الباردة وبعد أن انهار المارد السوفيتي.
حاولت ذلك الاختراع مع الاسلام فكانت مسؤولة عن الاسلام فوبيا في معظم الغرب، ثم تورطت بصرف ورقة المئة دولار الى سنتات كما كان يقول همنجوي عندما حاولت ان تخلق عدداً كبيراً من عدد من الأعداء الصغار.
هناك وصفات طبية تؤدي الى هلاك المريض بدلاً من شفائه لخلل في التشخيص أولاً ولعدم الاحاطة بوضعه الصحي ومجمل ما يعانيه.
أما أخطاء التشخيص السياسي في الولايات المتحدة، فهي تتعلق بأكثر من ملياري انسان على هذا الكوكب، فهي كما افتضحها خبير سابق في البنك الدولي هو هانكوك تقدم وصفة عجيبة للفقر هي ابادة الفقراء ووصفة أخرى لضحايا التمييز العنصري هي الانحياز لجلاديهم واستخدام الفيتو لتكريس هذا الانحياز.
ومن المؤكد أن امريكا منذ نهاية القرن الماضي أضاعت العديد من الفرص. يذكر منها مستشار الأمن القومي الأسبق برجنسكي ثلاثاً فقط، لكن هناك من يرون أنها تعد بالعشرات، فالقوة التي تحذف منها العدالة لا تؤهل أي عملاق أو مارد كوني للقيادة، واذا غاب الهاجس الأخلاقي عن دولة أو أية قوة فانها بالتأكيد سوف تأكل نفسها، وقد يستغرب القارىء الذي يسمع بأن أمريكا هي نموذج الاكتمال ومثاله اذا قرأ مقالة «جيمس غوستان سيبث» يرى فيها أن أمريكا فقدت معظم تلك الصفات التي كانت تطلق عيلها قبل عقود، فهي الأدنى في مجالات عديدة لهذا فان وصفاتها الاستراتيجية قاتلة! ( الدستور )