المالكي يحذّر
في أحدث تصريحاته السياسية التي أطلقها من يومين حذر رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي من إمكانية حدوث نزاع طائفي في العراق نتيجة إحتدام النقاش بين مجموعات بشرية متنوعة في الطيف العراقي حول حقوق مستلبة، وطريقة حكم غير مواتية، وإفتقاد لضمانات الشراكة والتوظيف، وقضايا محل خلاف جرى حديث حولها في الصالونات السياسية ،والمراكز البحثية، وفي الأوساط الدينية والعشائرية وغيرها من أماكن يمكن أن تكون مؤثرة في تهدئة الخواطر ،أو دافعة الى صدام غير محمود العواقب يمكن أن يأخذ بالعراقيين الى المجهول مالم يتم توظيف التجربة الماضية بحكمة وروية للوصول الى تفاهمات بعيدا عن سبل المواجهة التي ستكون كارثة لن ينجو منها أحد، أو يبتعد عنها مهما كانت حصانته وأدواته التي يستخدمها لتصوير نفسه، ومن معه أنهم بعيدون عن نيرانها المحرقة.
لاشك أن هنالك نوا من الفوضى تضرب في العملية السياسية، وطريقة إدارة غير مواتية لبعض الملفات ،وإستسلام سياسيين لضغوط طائفية، أو مناطقية دون أن يحركوا كوامن القوة في نفوسهم ليؤدوا دورا مختلفا عن الذي إعتدناه وتجرعنا مرارته في أكثر من مناسبة عشناها، وعرفنا منها طعم العلقم، ودفعنا الثمن غاليا لايمكن تعويضه لأنه إرتبط بذهاب الأرواح والأملاك، وربما هتك للأعراض هنا أو هناك، عدا عن التهجير القسري، والتغيير في البنية السكانية ،وإنهيار البنية النفسية والإجتماعية للمنظومة البشرية العراقية بكافة توجهاتها الدينية والقومية .
التحذيرات الأخيرة تأتي بعد تصاعد وتيرة الإحتجاجات في المناطق الغربية التي ترفع شعارات تتصل بالطعن في مظهر سياسي، وسلوك إداري، وتصرفات يرفضها المتظاهرون، وبعضها متعلق بإعتقال مجموعات من المواطنين بتهم إرهاب وإعتداء على مواطنين ،وهي إحتجاجات لايلتقي عليها المواطنون في مناطق أخرى لاتجد الحماسة في نفسها لتلبيتها ،أو للتعاضد مع رافعيها برغم وجود مشتركات بين الجهتين بعضها متعلق بالخدمات، ومنها ماهو جزء من معاناة عراقية مستمرة ،ولأن الخلافات عميقة لجهة عدم قناعة الشيعة بمطالبات سنية سياسية ومذهبية وفكرية وتوظيفية ومادية ليس لجهة عدم القناعة بحق السنة في الحصول على مكتسبات مادية معينة ،ولكن لطبيعة خلاف فكري عميق يأخذ بالطائفتين كل منهما الى جهة تتقاطع مع الأخرى، ولاتتيح الفرصة للقاء حقيقي على المشتركات التي ننادي بها .
في بعض الأحيان يرتقي منابر الإحتجاج عشائريون ،ورجال دين يتحدثون عن المظلومية بلغة شديدة الحماس تجر معها ألفاظا وسلوكيات تؤدي في الغالب الى إرتفاع وتيرة الشحن والشحن المضاد، فيكون الوطن عرضة لمواجهة بين طرفين فشلا في الوصول الى قناعات واحدة لايمكن أن يصلا إليها مالم يصل العراقيون الى مستوى من الفكر والحيوية الروحية التي تجعل من المذهب طريقة للوصول الى الآخر، لا الى تحجيمه وتغليفه بغلاف العداوة والبغضاء والتشاحن ،وحين يصل المواطنون عندنا والمفكرون والمثقفون الى قناعات مشتركة بضرورة حماية وطنهم ،حينها يكون المذهب وسيلة للتعبد، وليس للحكم والتسلط، وهذا الخطاب موجه للجميع بالطبع، وليس لطرف بعينه.