مجاهدون علمانيون..!

• لجأ النظام السوري أخيراً إلى طلب الجهاد ضد من يعاديه.. فكيف بنظام يدعي كل عمره بالعلمانية أن يفرض الجهاد؟! وكيف تتعامل هذه الدعوة مع غير المسلمين؟!
أبرز حدثين مضحكين أنتجتهما الأحداث الدائرة في سوريا -رغم المآسي- الأول: عندما ظهر رامي مخلوف على شاشات التلفزة وهو يعلن في مؤتمر صحفي بداية الثورة، تنازله الكامل عن ثروته لمصلحة الشعب، ومن يومها يزداد هذا الشعب بؤساً، وصار القمر أقرب إليه من رغيف الخبز -يبدو أنها ثروة منحوسة!- ويومها لقّبه المشاغبون في الثورة بـ«رامي تيريزا»، والفرق أن الأم تيريزا نفسها تمت مساءلتها بعد وفاتها، وفق تقرير بثته اذاعة الـ«بي بي سي» قبل أيام عن وجود تجاوزات في الحسابات الخيرية التي كانت تشرف عليها، بينما لا أحد يسائل رامي في حياته: من أين له هذه الثروة التي قال إنه تبرع بها؟!
الحدث الثاني: إعلان مفتي سوريا بدر حسون «الجهاد» إلى جانب صفوف الجيش النظامي، واعتبر الجهاد واجباً شرعياً، علما بأن مجرد كلمة «جهاد» في سوريا تعتبر تهمة إرهابية تعطي حاملها «جوانح» يطير فيها بدقائق من تحت الأرض السابعة في أقبية المخابرات إلى السماء السابعة! ومهما حاولت أن أعلق على هذا الحدث، فإن التعليقات التي صدرت حول هذا الحدث كفّت ووفّت، فأحد الأصدقاء - وهو المهندس ماهر العليوي - تساءل في صفحته على الفيسبوك: «كيف يقول النظام انه دولة علمانية ثم ينادي بالجهاد»؟!.. وهو تساؤل يدعو الى التأمل، ولو اعتبرنا ان مصطلح الجهاد اسلامي، فكيف سينطبق على اخواننا المسيحيين؟ وكيف سيبدو مظهر الكاتب الموالي للنظام عبدالمسيح الشامي وهو يرتدي عمامة الجهاد، ويحمل السيف، ويقول لخصمه رئيس المجلس الوطني السوري: «ويحك يا جورج صبرا، أتعمل مع المشركين الذين جعلوا مع آلهتنا التي لا نعرف سواها، آلهة أخرى، هي الحرية»؟!
في سوريا، لم يعرف الناس مصطلح الجهاد إلا مرتين: الأولى عندما لعب النظام في الثمانينات لعبة ذكية في حماة للقضاء على حركة الإخوان المسلمين ومن والاهم، بأن أرسل من طرفه منادياً في المآذن ينادي، «حي على الجهاد»، فخرج الشباب المتحمسون -آنذاك- إلى الشوارع، ليجدوا رشقات الرصاص في استقبالهم، والمرة الثانية عندما ظلت الثورة السورية لمدة ستة أشهر تنادي بالسلمية، بينما المجتمع الدولي يماطل ويتماهل، حتى ظهرت جماعات تنادي بالجهاد، ما عدا ذلك فالشعب السوري شعب وسطي يصلي ويغني، وحتى المطرب صباح فخري، كان أحياناً وهو في غمرة غنائه الطربي ينهي حفلته الغنائية التي تمتد لأول الفجر برفع الأذان!
وبالتالي، فإن لجوء نظام -يفترض أنه علماني بعثي- الى اعلان الجهاد، يعني انه يقر ضمنياً بفاعلية المنهج، الذي اتبعه اصحاب الرايات السوداء، التي تظهر معلنة الجهاد في سوريا، ويعني أيضاً انه بدأ يفقد المحرّض الوطني للقتال، فاستعاض عنه بمحرك شرعي، جاء على لسان مفتيه بدر حسون.
المفارقة أن الناس في الثورة السورية لجأوا إلى عبارة: «ما لنا غيرك يا الله» بعد أن تخلى العالم كله عنهم، فما الذي دفع النظام للجوء إلى العبارة نفسها، والمجتمع الدولي كله يقف معه.. في السر؟!