حلم.. وطموح...وواقع ؟؟
طموح المرء لا يقف عند حد ، وكل واحد يحاول أن يكون ذا منصب وذا مكانة وذا رئاسة وسلطة وصاحب نفوذ، ولكن القليل يصل لذلك ، لأن المناصب قد تكون وراثية أو متوارثة، أو للحاكم رغبة باختيار من يريد لمنصب يرى فيه ما يرى لتنفيذ أمور مختلفة ، أو أن الشروط المطلوبة قد تكون صعبة للوصول إليها من العامة ، وهنا أود أن أتحدث في هذا السياق بهذه القصة لعلها تعبر عنا واقع حالنا في هذا الوطن .
أراد أحد الحكام أن يختبر قدرة شعبه على التحمل والتفكير وأن يطرد الخوف من نفوس ران عليها الوهم والخرافات، من أنه يريد مستشارا يبقى هذا المستشار طوال حياته مع الحاكم إن نفذ ما يريده الحاكم .
وكان في بلده جبل شاهق وقمة عالية صعبة المسالك ووعرة وكثيرة التعرجات وهي بعيدة وعالية مرتفعة، وتحاك حولها الأساطير والخرافات،. وبسبب كثرة القصص التي كانت تحاك عن هذه القمة جعلت الناس يحجمون عن صعودها لما فيها من وجود لوحوش مفترسة، ووجود الجان ، ووجود الطيور الجارحة والثعابين والعقارب، ومن أن هذه القمة وطوال 60 سنة لم يستطع أحد أن يصلها، وحاك الناس حولها قصصاً خيالية مرعبة مخيفة .
فقد أعلن حاكم البلاد أن من يصل لقمة الجبل الأعلى ارتفاعاً ويقيم هناك 90يوماً سيتم تعيينه مستشاراً خاصاً له طيلة حياته . وليبين الحاكم الديمقراطية والنزاهة في الاختيار للمنصب .فأعطى مهلة سنة للتفكير لمن يريد الوصول لهذه القمة للاستعداد لذلك الأمر.
تحمس الكثير من أبناء البلدة لهذا الأمر ولكنهم لم يجدوا من يشجعهم على ذلك الأمر فتراجعوا ، وكان من بينهم شاب طموح ،يحب المغامرة ويود الوصول للقمة ،كان أيوب شاباً طموحاً لا يتجاوز عمره الثمانية عشر عاما، هذا الشاب كان يحب أن يكون في أفضل مستوى بدني وذهني واجتماعي لذلك كان يبحث دوماً عن الأفضل ويسعى له.
وجاءت الفرصة لأيوب بسرعة بعد سماع ما أعلنه الحاكم للوصول إلى هذه القمة ، ففرح بالأمر والمكوث هناك لمدة ثلاثة أشهر،فلديه متسع للتفكير ، لاسيما وأن الحاكم منح مهلة سنة لمن يود الوصول للقمة ليصل المنصب المنشود...شرط أن يقوم باستقبال رسالة من الحمام الزاجل كل يوم على القمة ليتم التأكد من وجوده عليها.
تردد أيوب في البداية، فما يجعله يظن أن مصيره لن يكون أفضل من مصير من سبقه، ومن عدم عودتهم . وبدأت الأخبار تأتي لأيوب من أصحابه أن فلاناً اختفى وأن صديقنا فلاناً لم يعد أحد يستطيع رؤيته والسبب دوماً السعي للمنصب الكبير عبر هدف صعب للغاية وهو الصعود لقمة الجبل والمكوث هناك.لكن حب المغامرة والوصول للهدف دفعت هذا الشاب لخوض غمار هذه التجربة ،فقرر أيوب أخيراً المغامرة وذلك بعد مضي 5 أشهرمن التمارين الرياضية ورفع للياقته وقدرته البدنية فقرر الذهاب ، لكنه انتبه إلى حقيقة أنه من الممكن أن يصل هو وأكثر من شخص إلى القمة فما العمل؟
فجاء الرد من حاجب الحاكم أن العمل بسيط جداً ، وهو أن المطلوب جلب التسعين رسالة التي تأتي من الحمام الزاجل هناك…أي بلغة أخرى لو صعد شخص في آخر يوم لأيوب بالقمة وقام بقتل أيوب لفاز ذلك الشخص.
أيوب ذهب للجبل ، حاول التسلق لكنه سقط قبل أن يبدأ…..لكن الهدف كبير وخشية كلام الناس أكبر فواصل طريقه بقوة يضرب هنا بالجبل ويواصل وضع الحبال كي يصل فهو رجل مستعد بدنياً وذهنياً ونفسياً وكيف لا تكون النتيجة أن نرى أيوب في القمة بعد هذه المحاولات .
وصل أيوب القمة ولم يجد أي أحد هناك، فعلم أنه فاز لا محالة بالمنصب الكبير وما زال عمره صغيراً…ولم يلبث أن يصل فإذا بأولى الحمام الزاجل تصل له برسالة ففكها عن رجلها ليقرأ فيها : ” احتفظ بها ، وعند عودة هذا الطائر دون رسالة سنرسل لك الطعام مما تشتهي ومما تعرف ولا تعرف مع طيور أخرى”.
وهذا ما حدث، فالحاكم لا يريد تجويع الرجل في الأعلى…فجاءت طيور مختلفة تحمل الطعام من الفواكه والخضار والخبز وكافة الأطعمة الرائعة…تمدد أيوب على الأرض وبدأ يتخيل أيامه السعيدة المقبلة.
في الليلة الأولى خشي من النوم فهو يسمع أن هناك طيورا جارحة مجنونة ووحوشاً وجناً خبيثاً لكن لم يكن أي شيء من هذا، وفي الصباح نهض ليمارس التمارين الرياضية لكنه سأل نفسه : ” لماذا أتعب نفسي وأنا وصلت للقمة هنا ..وبعد أيام قليلة سأكون هناك مع الحاكم؟”.
مضت أيام على أيوب دون أن يمارس تمارينه الرياضية المعتادة التي أوصلته للقمة، وافترش الأرض ليبدأ بأحلامه الجميلة لحياته مع حاكم البلاد والنجاحات الكبيرة التي سيحققها هناك … والأهم ماذا سيقول عنه الناس بعد النجاح الكبير.
بدأ أيوب يزداد سمنة..وتحول البطل الرياضي لشخص بدين جداً كسول لا يقدر على الحراك واقترب الحسم والفوز فاليوم هو رقم 89. وجاءت الرسالة عبر الحمام الزاجل واضحة الكلام والمعالم وفيها : ” بقي لك يوم واحد، وفي حال فشل عبدالله بالصعود ستكون مستشاري الخاص!!!”؟؟؟؟.
أيوب يتحدث لنفسه بصوت مرتفع : ” من هو عبدالله هذا الذي يريد إفساد أحلامي”….فجاء الجواب بصوت مرتفع : ” أنا عبدا لله وجئت لكن ليس من أجل أن أسرق حلمك بل كي أحقق حلمي .أيوب: وهل تعتقد أيها الأحمق أنك تستطيع هزيمتي؟ أنا أيوب القوي السريع الخطير.
عبدا لله : ” أنظر إلى نفسك ، أنا لست مضطراً كي أقاتلك فانك لن تستطيع التحرك للدفاع عن نفسك كي آخذ الرسائل الآن”.
وتوجه عبدا لله للرسائل التي تبعد عن أيوب خطوتين فقط، فحاول التحرك لكنه لم يستطع بسبب ثقل وزنه…فجمع عبدا لله الرسائل بكل سهولة ومضى والتفت لأيوب قائلا: لا أعتقد أنك تستطيع النزول الآن، وسوف تموت في قمتك الوهمية بعدما خسرتها .
نعم لم يسمع أحد شيئاً عن أيوب بعد ذلك، فكم من أيوب عربي وكم من أيوب عالمي وصل بكده وتعبه للقمة، ولكن جاء من يسرق هذا النجاح مدفوعا بصاحب نفوذ، أو سلطة وليعيش بعد ذلك حزينا متألما على واقع كله نفاق وكذب""؟؟.فليس من وصل للمنصب دون بذل الجهد إلا كحلم وطموح هذا الشاب الذي خسره في النهاية ، ولكن سيخسر هؤلاء المتسلقون لسلم المجد والمنصب والجاه والطموح الذين وصلوه وبغير وجه حق والذين لم يتعبوا فيه ،لأنهم أقحموا فيه إقحاما ،سوف يخسرون وسوف يندمون ،لأن الحق أبلج، والكذب والزيف والنفاق والخداع إلى زوال.