دق الطبول ...
ما تم تداوله قبل أيام قلائل من تقارير عن تدريب مجموعات من المسلحين من المعارضة السورية من قبل القوات الأمريكية على الأرض الأردنية، ولم يتم التعليق عليه رسمياً لا من الدولة الأردنية، ولا حتى من قبل الجهات الأمريكية، هو ما دعانا لكتابة هذه السطور، وهو الأمر الذي يتطابق منطقياً مع التفكير السياسي الذي يقول بأن الثقل المتزايد على كاهل الدولة الأردنية يومياً من خلال تدفق آلالاف الهاربين من جحيم الحرب في سوريا إلى الأردن ربما يكون هو ما يدعو الدولة الأردنية إلى التفكير جدياً بإيجاد بديل مريح لها بإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، وتسليمها إلى جماعات "معتدلة" يتم تدريبها في الأردن على ذلك، وذلك ليتجنب الأردن وجود الجماعات المتشددة في مناطق عازلة على حدوده، وبالطبع سيستفيد الأردن بهذه الحالة من خلال تخفيف أعداد النازحين داخل حدوده، والذين يتوقع وصول عددهم إلى مليوني نازح بحسب تصريحات رئيس الوزراء دولة الدكتورعبدالله النسور، ذلك من خلال إقامة مثل هذه المنطقة العازلة التي تستوعب من ينزح من مناطق الصراع، وتكون الملاذ الآمن للهاربين من جحيم القصف والحرب والدمار، وربما تكون هناك إمكانية تحويلها لمنطقة حظر طيران يمنع فيها تحليق طائرات النظام السوري في حال نجحت العملية، لكن المفزع في هذا الأمر هو أن مثل هذا وبكل تأكيد سيتسبب في دق طبول الحرب على الأردن من قبل النظام السوري، وسيكون رد النظام السوري على الجانب الأردني قاسياً جداً، وربما يصل لمستوى التدخل السوري في شمال الأراضي الأردنية تماماً كما حصل خلال أحداث السبعين عندما إجتازت الدبابات السورية الحدود إلى داخل الأراضي الأردنية بحجة دعم المقاومة الفلسطينية آنذاك، ولكن حجة النظام السوري اليوم ربما تكون إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي الأردنية لمنع تدفق مسلحي المعارضة من الأردن إلى داخل سوريا، تماماً كما فعلت إسرائيل عندما دخلت دباباتها إلى جنوب لبنان لإقامة منطقة عازلة في الأراضي اللبنانية تمنع من خلالها تدفق مسلحي المقاومة الفلسطينية إلى داخل الأراضي الفلسطينية.
تفاصيل هذا الأمر مفزعة، والتفكير بها يقود إلى سيناريوهات موجعة، لكن كل ما نتمناه هو أن لا تكون بالفعل قد دقت طبول الحرب التي نقصدها هنا، خصوصاً وأن هناك دول كبرى إضافة لدول عربية تدفع في إتجاه لعب الأردن لهذا الدور، بحجة تقديم المساعدات إلى الأردن من خلال إقدامها على مثل هذه الخطوة، والتي ستكون نتائجها كارثية على بلادنا على المستوى القريب والبعيد، ولكن ما نأمله ونتوقعه من أركان الحكم في بلادنا هو أنهم على مستوى الدراية التامة لتبعات مثل هكذا أمر، خصوصاً وأننا جميعاً متفقين على أن دم الجندي الأردني الذي كنا نراه وهو يحمل العجائز والأطفال المصابين من النازحين لتخليصهم من جحيم القصف على الحدود الاردنية السورية هو من أغلى ما نملك، ولا نقبل الزج فيه في معركة هي ليست معركته، تماماً كما نؤكد لكل من يسألنا عن إمكانية إنتهاء النزاع في سوريا في القريب العاجل بأن إعتقادنا والذي ربما لن يعجب الكثيرين هو بأن مأساة الحرب "الأهلية" السورية تحولت إلى حرب أهلية طاحنة، ستكون الحرب الأهلية اللبنانية التي إستمرت خمسة عشر عاماُ وأحرقت الأخضر واليابس أختاً صغرى لها للأسف الشديد عند نهايتها، ونتمنى أن يكون إعتقادنا هذا خاطئاً ...!
مرة أخرى نتمنى على القائمين على إتخاذ القرار في بلادنا العمل وبكل الوسائل على عدم الزج ببلادنا في صراعات ليست صراعاتنا، فهذا الأمر الذي يسعى له الكثيرين، ويعملون من أجله، كما يعملون على ذلك وبكل قوة في لبنان والعراق وغيرهما، لإدخال المنطقة في فرن ملتهب تلتهمه النيران من كل ناحية، ونتمنى مجدداً أن نبقى بعيدين عن دق هذه الطبول التي إذا ما دقت للحرب ستدق معها الكثير من المسامير في تثبيت الدمار في المنطقة