سياحية لا سياسية

حتى لا نزيد حجم الأوهام التي نعيشها وننتظرها في هذه الأيام، فإن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للمنطقة لا تتعدى كونها زيارة سياحية، لا سياسية، وسوف يكون اهتمامه بزيارة مدينتي البترا وبيت لحم، والقدس أهم من قضايا المنطقة، وملفاتها الساخنة.
الكل يتذكر خطاب أوباما في جامعة القاهرة في 4 حزيران 2009، عندما أعلن تضامنه مع معاناة الشعب الفلسطيني "الواقع تحت الاحتلال"، مؤكداً أن إقامة الدولة الفلسطينية ستكون على رأس أولويات عمل إدارته، ودعا حينها إلى وضع حد للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وهو ما جعل أوساطاً سياسية عربية وفلسطينية تعتقد بأن إدارة أوباما ستنتصر للحقوق الفلسطينية، الشيء الذي لم تقم به أية إدارة أميركية سابقة.
يومها اعتقد المفاوض الفلسطيني بأنه سيكون أمام مفاوضات "مريحة" مع الجانب الإسرائيلي، وبأن تل أبيب هي الطرف الذي سيجد نفسه في مواجهة ضغط أميركي متوقع في سياق قيام واشنطن بترجمة خطاب الرئيس بشكل عملي.
لعبة الخلافات الأميركية الإسرائيلية لم تعد تنطلي على أحد، وحتى لو ازدحمت الصحافة العبرية بكشف تفاصيل هذه الخلافات، فإن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".. فكيف إذا كان اللدغ مرات لا تُحصى.
بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض الذي عبرا فيه عن خلافاتهما حول عملية السلام، ركزت يومها الصحافة الإسرائيلية على اللقاء بين الرئيسين ووصفته بأنه "قمة البرودة.. وعدم ثقة"، وبأن "الرئيسين كانا من دون حراك على كرسيَّيْهِما ومتجهمي الوجه مثل تمثالي شمع (...) وتجنبا النظر إلى بعضهما".
ووصل الأمر إلى تشبيه حركات نتنياهو أمام عدسات الكاميرات والإعلاميين من أنحاء العالم كافة مطولاً بـ "إلقاء درس" على أوباما "لكي يحذره من أن خطته للسلام واهمة، ويمكن أن تؤدي إلى كارثة أخرى للشعب اليهودي"، في إشارة إلى المحرقة. وأراد أيضاً تأكيد اللاّءات الأربع: "لا لحدود 1967، ولا لمفاوضات مع حماس، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل، ولا للانسحاب الإسرائيلي من خط غور الأردن".
الشيء السياسي الوحيد في الجولة الاميركية المنتظرة للمنطقة ما رفضته السلطة الفلسطينية مؤخرا وهو اقتراح أميركي بإدخال تعديلات على المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل.
الاقتراح قدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوفد فلسطيني، زار واشنطن قبل ثلاثة أسابيع لبحث فرص استئناف عملية التسوية، برئاسة كبير المفاوضين صائب عريقات، حيث اقترح كيري أن تتضمن المبادرة عبارة "تبادل الأراضي" عند إشارتها إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي تم احتلالها عام 1967. الأمر الذي اعتبره الوفد الفلسطيني، عدم إلزام لإسرائيل بالانسحاب إلى خطوط هذه الحدود.
وحتى يكون الموقف الاميركي متوازنا (كعادته) اقترح كيري "إقناع الحكومة الإسرائيلية للمضي قدما في عملية السلام"! .
أوباما يزور المنطقة الآن وقد تغيرت ملامح بعض دولها بعد الربيع العربي، بعد أن حاول أن يمد يديه إلى الحالة الجديدة، مرة باحتضان هذه الثورات، ومرة أخرى بفرض الوصاية عليها.
لكن المواقف الأميركية في الموضوع الفلسطيني لا تتغير ولا تتبدل، لهذا يهتف الفلسطينيون والعرب في الشوارع: "أميركا هي هي.. أميركا راس الحية". ( العرب اليوم )