من هو الأولى بالتهديد والتحذير؟!

خلال الأسابيع الماضية، أفرط رموز التحالف الإيراني في التحذير من الحرب المذهبية، أو الطائفية في المنطقة، تماما كما أفرط بعضهم في بث السيناريوهات المتشائمة حول تداعيات ما يجري في سوريا؛ إن كان لجهة المستقبل في حال سقوط النظام كما فعل المالكي، أم لجهة التقسيم واستمرار النزاع وتدمير سوريا كما فعل آخرون، من بينهم أمين عام حزب الله وعدد من رموز الدولة الإيرانية.
وحده بشار الأسد الذي لا يزال مصرا على قدرته على الانتصار، بل على تحقق الانتصار عمليا كما ذهب في حديث لرموز قوميين نقلت بعض فصوله صحيفة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله، والتي دأبت على نقل تفاصيل لقاءات بشار مع زوار من هذا الصنف، ودائما في سياق من التبشير بانتصاره على “المؤامرة”!!
ما نود التوقف عنده هنا هو هذا الخطاب التحذيري الذي ينطوي على قدر من التهديد من مغبة الحرب الطائفية في المنطقة، والذي يُوجَّه بالضرورة لمن يدعمون الثورة السورية، وهو خطاب يستحق التساؤل لسببين؛ الأول أن من يدعمون طاغية يقتل شعبه الذي خرج يطلب الحرية والتعددية هم الأولى بالتحذير إذا أخذنا الأبعاد الأخلاقية في الاعتبار، بمعنى أن الطرف الداعم للثورة يأخذ موقفا أخلاقيا سليما، بصرف النظر عما إن كان موقفه صائبا لجهة التقدير السياسي وأسئلة الانتصار والهزيمة، بينما يأخذ الطرف الآخر موقفا لا صلة له بالأخلاق، لاسيما بعد سقوط نظرية المؤامرة التي تبدت فضيحتها بذلك الحصار الذي تعرضت له الثورة طوال عام ونصف، ليس بمنع التسليح، بل باستخدام كل أدوات الضغط من أجل منعه (تحديدا التسليح النوعي)، ولولا ذلك لكان بوسع الثورة تحقيق الانتصار منذ شهور طويلة.
لم يكن مطلوبا من الغرب أن يتدخل كما فعل في ليبيا، ولم يكن مطلوبا منه أن يقدم السلاح. كل ما كان مطلوبا هو تخفيف الضغط على الدول الداعمة للثورة كي تدعم بالسلاح النوعي بدل القيود والضغوط التي كانت تسمح بسلاح يكفي للصمود وليس الحسم.
هذا من الناحية الأخلاقية، أما من الناحية المنطقية والسياسية، فإن التحذير من حرب طائفية في المنطقة يستدعي وضع النقاط على الحروف، بعد تحديد وضع المعسكرين المتحاربين فيها (المعسكر الإيراني ومن يدورون في فلكه مثل النظام العراقي، وبدرجة أقل لبنان أو بعض تجلياته السياسية، فضلا عن الأقليات الشيعية في عدد من الدول العربية، والمعسكر الآخر ممثلا في غالبية الأمة، أقله العربية مع تركيا، فضلا عن غالبية المسلمين).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ثمة مقارنة من ناحية الجغرافيا والديمغرافيا، وسائر الإمكانات بين المعسكرين؟ الجواب هو كلا، إذ أن التحالف الإيراني برمته لا يساوي سوى عشرة في المئة من المسلمين في أنحاء العالم، وإذا نشبت حرب مذهبية، فالخاسر الأكبر فيها هو الطرف الشيعي وليس السنّي، وأضف إلى ذلك الإمكانات المالية وما يترتب عليها، لاسيما أن السلاح الذي تتفوق فيه إيران نسبيا ليس مشكلة بحال، ويمكن الحصول عليه بسهولة، فضلا عن أن بوسع من يستهدفون إيران أن يلعبوا على تناقضاتها الداخلية (سنة وعرب)، كردًّ على لعبها بورقة الأقليات الشيعية.
لا خلاف على أن هذا النمط من الحروب الدينية هو كارثي بامتياز، ويخسر فيها الطرفان، لكن المؤكد أيضا أن خسارة الطرفين ليست متساوية بالضرورة، ويمكن أن تكون خسارة أحدهما أكبر من الأخرى تبعا للإمكانات وسائر الظروف الموضوعية الأخرى.
من المؤكد أننا لا نقول ذلك في معرض التهديد، بل في معرض التذكير، لأن الطرف الآخر هو الذي يهدد عمليا خلافا للمنطق، رغم ضعف إمكاناته قياسا بمجموع الأمة، أو غالبيتها الساحقة بتعبير أدق؛ دعك من موقفه غير الأخلاقي بدعم مجرم يقتل شعبه.
لقد ارتكبت إيران واحدة من أسوأ حماقاتها بدعم بشار الأسد ضد شعبه، وجرَّت من خلفها العراق ولبنان، كما جرَّت عددا من الأقليات الشيعية في الخليج، والتي لا مصلحة لها أبدا في التناقض مع مجتمعاتها. ومن المؤكد أن غرور القوة الذي تلبسها (أعني إيران) هو الذي دفعها نحو ارتكاب هذا الخطأ، بل الخطيئة، وستكرس خطيئتها على نحو أوضح إذا دعمت سيناريو الدويلة العلوية.
لا مصلحة للأمة في اقتتال طائفي لن يستفيد منه سوى أعداؤها لمعنيون بتكريس سياسة “فرِّق تسُد”، التي لا تستبعد التقسيم كخيار مطروح، وربما مفضل، ويمكن لها (أعني الأمة) أن تتعايش مع إيران في ظل جوار حسن، كما يمكن أن يتعايش أبناؤها جميعا في ظل دولة مواطنة يبشر بها ربيع العرب، بصرف النظر عن الأديان والمذاهب، وهو ما سيحدث على الأرجح، بعد تصحيح الأوضاع المشوهة في العراق وبدرجة أقل في لبنان، وصولا إلى تعايش بين مختلف الأعراق والمذاهب. ربما ستستغرق الرحلة بعض الوقت، لكن النهاية ستكون إيجابية بإذن الله. ( الدستور )