مدرسة اليوبيل: لكي لا ننعى فكرة تنموية

تم نشره الخميس 21st آذار / مارس 2013 03:33 صباحاً
مدرسة اليوبيل: لكي لا ننعى فكرة تنموية
أحمد ابوخليل

ذات صباح قبل خمسة عشر عاماً، كنت في أحد باصات مؤسسة النقل العام الكبيرة، فاقترب مني رجل يبدو من هيئته العامة أنه فقير الحال، وقال لي: يا أستاذ، لقد لاحظت أنك يومياً تحمل كتباً وورقاً، وقد تكون قادراً على الإجابة على سؤالي. فرحبت به، فواصل الكلام: ابني يدرس في مدرسة حكومية عادية، وقد طلبوه ليلتحق بمدرسة اليوبيل في عمان ليكمل دراسته فيها لأنه متفوق، وأنا متخوف، ومستغرب أن يطلبوا ابن واحد مثلي ليدرّسوه في مدرسة راقية بالمجان، فما رأيك؟

هكذا كانت حال مدرسة اليوبيل، تقبل الطلبة وفق مقياس التفوق فقط، وبالمحصلة أتاحت فرصة الدراسة بمستوى تعليمي عال أمام المئات من أبناء القرى وأحياء المدن البعيدة والفقيرة الى جانب بعض زملائهم المتفوقين من أبناء الأفضل حالاً.

تلك كانت فكرة المدرسة؛ أن يتاح للطالب المتفوق الفرصة لأن يتلقى تعليماً يناسب امكاناته، وكانت المدرسة تجري امتحاناً صارماً للمتقدمين. والمدرسة حكومية وتتبع مديرية عمان الثانية، وهي بلا شك فكرة تنموية رائدة وشجاعة ومنتجة، واستطاعت مع الوقت خلق بيئة نموذجية لبناء شخصية الطالب. وكانت في العادة تخاطب المدارس الحكومية وتوزع عليها طلبات الترشيح للقبول.

استمرت المدرسة على هذه الحال عدة سنوات، ولكنها بالتدريج أخذت تتخلى عن مهمتها الأصلية، وصار على المتفوق أن يكون غنياً وقادراً على الدفع كي يقبل بها، ومن الانصاف القول أن المدرسة تتبدل بقدر من الخجل، ففيها كادر محترم يعرف أعضاؤه سيرة المدرسة ودورها، ويتألمون وهم يشرحون الظروف والمستجدات.

المدرسة أصبحت فريسة لصراع نفوذ على مستويات عليا، وتوقف كثير من داعمي المدرسة من القطاع الخاص عن دعمهم، لأن هذا الدعم صار يجلب لهم "وجع راس"، وعرفوا أن عليهم نقل الدعم نحو مؤسسات أخرى تجلب الرضا. وليس بمقدور الوزارة أن تتحمل الانفاق العالي للمدرسة.

اليوم تضع المدرسة (ولكن بلطف شديد) أهالي الطلبة المتفوقين بين خيارين مرّين: إما الدفع وإما الكسر بخاطر الأبناء. وقد تبدل مشهد الأهالي في المدرسة بشكل كلي، فقد كان الآباء والأمهات يحضرون للمدرسة بهيئاتهم المتواضعة والفقيرة أحياناً متفاخرين بأبنائهم، وشاكرين للمدرسة التي جبرت بخواطرهم، أما الآن فالوضع مختلف؛ فبينما ينتشي الأب الثري وهو يستل دفاتر شيكاته للدفع مؤكداً مقدرته على إرسال ابنه الى مدارس أخرى، ولكنه يريد أن يشتري لابنه اسم "اليوبيل"، فيما يبتعد الأباء غير المقتدرين وهم يلعنون اليوم الذي تفوق فيه أبناؤهم.

أيتها الحكومة، أيتها المؤسسات والهيئات والصناديق، يا كل رافعي شعارات التنمية والتقدم والابداع: هل من منقذ؟ أم تنتظرون يوماً تنعون فيه هذا المشروع الجميل؟ ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات