كرامة الرجال, أم المعارك
تحية إجلال وإكبار للشهداء الإبرار الذين قدموا أرواحهم قربانا للوطن الغالي كي تنعم الأجيال بهم بالطمأنينة والكرامة والأمن والاستقرار والسلام ، إن معركة الكرامة كانت نصرا في وجه تحد كبير يسجله التاريخ في انصع صفحاته للقيادة الهاشمية الشجاعة وجيشها العربي الباسل ، هذا الجيش الذي كان له حضوره دائما في نجدة الأهل وقت يدعو الداعي لذلك ، كما ان صموده كان بمثابة نقلة نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية التي اججت النصر ، فكانت بمثابة المبضع في يد الجراح دخل دائرة الفعل وأخرجها من آلامها وجراحها التي سببتها نكسة حزيران.
سوف يبقى النصر الذي سطره الجندي الأردني في يوم الكرامة ، مرسوما في انصع صفحات المجد ، وذكرى خالدة في نفوس الأردنيين ، ناقوسا يقرع دوما ليذكر كل طامع بثرى الأردن ، ان من يقفون على الحمى هم أحفاد خالد وشرحبيل وجعفر ، وتلاميذ الحسين رحمه الله الذي ضرب أروع الأمثلة في الصمود ، وهو بين جنوده يتابع كل تفصيلة مهما صغرت ، من تفاصيل معركة الكرامة ، وليكن إصراره على رفض الاستجابة لوقف إطلاق النار ، رغم كل الضغوطات حتى تيقن من خروج اخر جندي إسرائيلي من الأرض الأردنية درسا وعبرة لكل من يحاول المساس بهذا الحمى الأردني الهاشمي .
لا شك هي ذكرى عزيزة على نفوسنا ، ليس لأننا أحرزنا النصر فيها فحسب ، بل لأنها جمعت الدم الأردني مع الدم الفلسطيني في معركة كانت لاستعادة الكرامة ، نفتخر بها ونحن نعيش مرحلة هوان لم يشهدها تاريخنا منذ عقود . وكلنا قد سمع كيف دارت أحداثها ، فالواقع ليس كما يسوقه بعض الإعلام الموجه ، والحقيقة تبقى حبيسة ذكريات الجند الأوفياء ، عانقت بنادقهم بنادق إخوتهم ، وأبوا إلا أن تكون وحدة تجلب القوة ، وإخلاصاً يبعث النصر من عمق اليرموك والقادسية ، وثباتاً تندحر أمامه قوة الجيش الذي لا يقهر.
لقد كانت كرامتنا حاسمة ليس للأردنيين فقط وإنما للعدو ا حيث تعلم درسا بان النكسة لن تتكرر ، وكانت مثالا يحتذى به بان الصمود والوقوف من اجل الوطن والعقيدة والشرف والعزة والتصميم على تحقيق الهدف أمام أي قوة أو عدوان يحقق النصر والكرامة بمعناها الحقيقي من حيث الحرية والسيادة ومشاعل النصر والإرادة.
ان الحادي والعشرين من آذار عام"1968" أتى بعد اقل من عشرة أشهر من حرب حزيران عام"1967"الحرب التي تمكنت إسرائيل من خلالها احتلال الضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان ,و استطاعت ان تحقيق هذه النجاحات كونها تمتلك السيطرة الجوية المطلقة وتتفوق بالقوات البرية وقابلية الحركة ونيران المدفعية على اختلاف أنواعها على الأردنية, وجميع هذه المعطيات كانت دافعة لإسرائيل بالتفكير لشن هجوم على الواجهة الأردنية ، الواجهة الوحيدة التي تبنت الدفاع النشط بعد الحرب مباشره قصدت خلالها القوات المسلحة رفع معنويات القوات الأردنية وإعادة الثقة للمرتبات بأنفسهم وبأسلحتهم
ان عوامل عدة ساعدت قواتنا المسلحة لتحقيق النصر في معركة الكرامة كان أهمها ، التخطيط والتحضير الجيد للمعركة قبل بدئها ، والسيطرة على طبيعة الأرض في إعاقة قوات العدو وإعطاء حرية الحركة لقطعاننا والتخفيف من قدرات القوة الجوية الإسرائيلية ، واستخدام المدفعية بمهارة فائقة ساعد ت على تشتيت القوات الإسرائيلية وعدم السماح لها بإعادة تنظيمها لاستمرار الهجوم ، والاستخدام الجيد للمجموعات الصغيرة التي تسللت وضربت أجنحة القوات المعادية وتمكنت من إيقاع خسائر كبيرة فيها.
ولا ننسى اهم عامل في نجاح القوات الأردنية في دحر العدو ، هو القيادة الحكيمة لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال ، فقد كان لوجوده في المعركة منذ البداية وحتى النهاية ابلغ الأثر في رفع الروح المعنوية لجنودنا واستبسالهم في صد العدوان .
ان يوم الكرامة من التواريخ الهامة في تاريخ الأردن حيث سطر فيه الجندي الأردني ملحمة كبرى في الفداء للذود عن تراب الأردن الغالي ، حيث وقف يومها كرأس حربة في وجه أطماع العدو الذي اختار توقيت هذه المعركة في لحظات تعتبر من أصعب الأوقات التي تمر بها الأمة التي لم تلتئم جراحها بعد جراء نكسة حزيران ، ولكن وعلى الرغم من كل هذا فقد كان للإرادة الفولاذية لجلالة المغفور له بأذن الله الملك الحسين بن طلال الدور الأساس في إخراج الجندي الأردني من تبعات نكسة حزيران ووضعه في أفضل حالات الجاهزية ليكون في طليعة الذائدين عن حياض الأمة على أطول خط مواجهة مع إسرائيل ،
ان معركة الكرامة من المعارك الخالدة في تاريخ النزاع العربي - الإسرائيلي حيث كسرت شوكت وغطرسة الجيش الإسرائيلي ، وسببت له هزيمة منكرة ، كما هزت هذه المعركة الصورة التي كانت منغرسة في عقول الإسرائيليين بأن جيشهم لا يقهر ، وقد تحطمت تلك الصورة عندما أتيحت الفرصة للمقاتل الأردني البطل لمواجهة الجندي الإسرائيلي وجها لوجه .
وخلاصة القول :فان الكرامة أثبتت ان النصر على العدو الإسرائيلي ليس مستحيلا ، وان إرادة القتال والصمود أقوى من كل الأسلحة ، كما ستظل معركة الكرامة في زمانها ومكانها ومعناها في ذاكرة الأردنيين ، ليس لأنها المعركة التي حقق فيها الاردن نصرا مبيناً فحسب ، بل لأنها جعلت من وحدة الدماء التي سالت على ارض فلسطين ، وعلى ارض الأردن رمزا لطهر الشهادة في سبيل القضية التي حمل الهاشميون أمانة الدفاع عنها ، مقدمين أروع الأمثلة في التضحية والفداء