في الخلط بين الشجاعة و"السقاعة"

من النتائج الايجابية لسنتي التحركات الشعبية، ما صار يعرف بشيوع "ثقافة الاحتجاج". لقد انتزع الناس حق الاحتجاج، سواء فيما يتعلق بالقضايا السياسية الكبرى، او القضايا الفئوية المتصلة بمصالح فريق او مجموعة تنتمي الى فريق، في القطاعين العام والخاص.
كان الاحتجاج فيما مضى مُكْلِفاً، ليس فقط في فترة الأحكام العرفية، بل حتى بعد الانفتاح الديمقراطي منذ مطلع التسعينيات، ولذلك ظل الناس ينظرون الى المحتجين باعتبارهم شجعاناً يتصدون لعسف السلطة.
لا يعني ذلك تفضيل الاحتجاج المكْلِف على الاحتجاج غير المكلف بالضرورة، فالأصل أن الاحتجاج حق، ولا ينبغي أن يحاسَب الفرد على ممارسته. ولكن الانتقال من حالة الاحتجاج المكْلِف الى غير المكلف، له بعض الاستحقاقات عند المحتجين.
إن غياب الكلفة جعل قطاعاً ملحوظاً من المحتجين يستسهلوا الأمر، وبالنتيجة دخل فريق من الباحثين عن "متعة الاحتجاج"، وأصبحوا ينظرون الى العنوان الذي يحتجون من أجله باعتباره شأناً يدور حول ذواتهم. إن الواحد منهم يبتهج وهو يرى رجال الأمن وجمهرة من المتفرجين يتحلقون حوله، بل إنه لا يتردد عن اتهامهم بالجبن والتقاعس بسبب عدم انضمامهم اليه او عدم ترديدهم للهتاف خلفه، وإذا ردد بعضهم قد لا تعجبه نبرة أصواتهم ومستواها، فيصيح بهم: لا تخافوا.. أين الصوت؟
في ظروف الاحتجاج المكلف، كان يبرر للمحتج أن يزهو بنفسه وخاصة في تجاربه الاحتجاجية الأولى التي تنطوي على قدر من النجومية، أما في حالة الاحتجاج غير المكلف فالأمر أكثر صعوبة وحساسية رغم ان الظاهر يوحي بالعكس.
أيها المحتجون الأعزاء، انتبهوا جيداً، لقد أبدت السلطة من المرونة أكثر منكم، وغيرت أدواتها، وكان عليكم أن تسبقوها الى ذلك. أنا أعرف أن عنواناً يورد كلمة الشجاعة الى جانب "السقاعة"، فيه بعض القسوة، لكنها قسوة لا بد منها، وأرجو المعذرة. ( العرب اليوم )