حفل تأبين الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز ( صور )
المدينة نيوز - : تحت شعار "الزعيم الذي ينحاز للفقراء يعيش للأبد" أقام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني يوم الأحد الموافق 24 آذار 2013، حفلاً تأبينياً للرئيس الراحل هوغو تشافيز تضامناً مع جمهورية فنزويلا البوليفارية التي فقدت قائداً نذر حياته من أجل خدمة شعبه، هذا الشعب العظيم الذي لم يخذل قائده ووقف معه في أقسى وأصعب لحظات التآمر الأمريكي، دفاعاً عن سيادته الوطنية ومقدراته، وتحدث في حفل التأبين سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية في الأردن فاوستو فرنانديز بورخي والدكتور أحمد العرموطي نقيب الأطباء والدكتور سعيد ذياب الأمين العام للحزب، وأدار حفل التأبين الرفيق عبد المجيد دنديس عضو المكتب السياسي للحزب.
كلمة سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية في الأردن فاوستو فرنانديز بورخي:
ليس من السهل جداً الحديث عن تشافيز. وكما قال فيديل كاسترو في مقال نُشر مؤخراً، أنّه هو نفسه لا يعرف كم كان عظيماً. وعلى أية حال، فإن أول شيء يجب ملاحظته هي عظمته، عظمة تضعه في مصاف الشخصيات العظيمة التي تركت بصماتها في التاريخ عبر العصور. ولكن وصفه برجل عظيم ليس كافياً، يجب أن نذهب إلى أبعد من المنشورات والدعاية، وإلّا فسوف نقع في نفس الدناءة التي ما برحت الشركات الإعلامية الكبيرة الخاضعة للإمبريالية ترددها طوال هذه السنوات. في الحقيقة، إن الدفاع عن تشافيز لا يمكن أن يكون سطحياً أو في إطار الطرائف، بل ينبغي علينا أن نغوص في الأعماق.
فأوّل ما يمكننا قوله هو أن تشافيز كان ابنا حقيقياً للشعب، وهذه الحقيقة هي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، لأنها تبرهن على أن الطبقات المحرومة يمكن أن تلد قادة يخرجون من رحمها. وقد اختار تشافيز طريق التنمية الفكرية ليرتقي ويتغلب على وصمة الفقر والإقصاء، من أجل تخليص شعبه، فقد درس في مرحلة مبكرة أعمال الثوريين الكبار والأدب العالمي بشكل عام.
إن أعداء الثورة البوليفارية التي تجري حالياً في فنزويلا، يصورونه على أنه أخرق مشوَّش يثقف نفسه عن طريق بعض القراءات المتأخرة التي كان فهمها الكامل فوق إدراكه. أما البرجوازية الفنزويلية العنصرية المتأوربة، فلا تستوعب أن رجلاً من عامة الشعب يمكن أن يملك ثقافة كبيرة. بالمناسبة، إنهم يقولون الشيء ذاته على خليفته، الرئيس الحالي المكلّف نيكولاس مادورو، الذي يقدّمونه دائما على أنه سائق حافلة سابق، دون الإشارة مطلقاً إلى مسيرته كزعيم طلابي، وإلى فترة إعداده السياسي في كوبا، وإنجازاته كزعيم نقابي، قبل أن يصبح جزءا أساسيا من الفريق الرئيسي للثورة البوليفارية، بوقت طويل.
ثانياً، يجب أن نشدد على الحب العميق الذي يكنه البلد وأمريكا اللاتينية بأجمعها للزعيم تشافيز. إن الهدف الأسمى لتشافيز كما لبوليفار، هو الوحدة الوطنية لأمريكا اللاتينية. وكان أحد اهم إنجازاته العظيمة هو الترويج لإنشاء مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك)، وهي منظمة أمريكية جديدة دون مشاركة الولايات المتحدة، وهي بالتحديد كما كان يتصورها بوليفار، الذي كان قدر الولايات المتحدة بالنسبة له هو إنزال البؤس على أمريكا اللاتينية. إن الإمبريالية والقوى الفاعلة التابعة لها حاولت تقديم منظمة سيلاك الجديدة باعتبارها كيان غير ضروري وغير متناسق، وأنه لن يعدو كونه مسرحاً لاتخاذ القرارات غير المنطقية، ولن يصبح يوما أداة لتكامل أمريكا اللاتينية. والواقع أن إنشاء سيلاك يمثّل علامة فارقة توافقت مع بداية الاستقلال الثاني والحقيقي لأمريكا اللاتينية، على حد تعبير تشي غيفارا. قبل 200 عام تحررنا من النير الإسباني والبرتغالي لنتحول إلى مستعمرات جديدة بريطانية وأمريكية. إن انعقاد القمة الثانية لسيلاك في سانتياغو دي شيلي في يناير من هذا العام يُظهر أن هناك إرادة سياسية صلبة في دعم عملية التكامل في أمريكا اللاتينية. سابقاً، كنّا جميعاً ننظر إلى الشمال، مبهورين من النجاحات الكاذبة للرأسمالية المهيمنة، غير مبالين بالبلدان المجاورة لنا، نقدّم الموارد الطبيعية مقابل السلع المصنعة، مقتنعين بأن فوائدنا النسبية تكمن في قدرتنا على إنتاج المواد الأولية مع ضآلة أو انعدام القيمة المضافة. والآن، لقد حان وقت التكامل. إن أمريكا اللاتينية، الوطن الكبير يولد من جديد، وأن عملية التنمية والتضامن فيها لا يمكن إيقافها هذه المرة. إن الحلم البوليفاري يتحقق، وهذا يرجع بشكل أساسي إلى جهود الزعيم تشافيز.
قبل بدء العملية الثورية في فنزويلا بقيادة تشافيز، كانت فنزويلا بلداً غير معروف لمعظم سكان الأرض. وإن الكتّاب الأجانب القلائل الذين كتبوا عن فنزويلا، كانوا يتحدثون عن بلد نفطي تقليدي، حيث كان يتعايش فيه طغمة من السياسيين الفاسدين الوقحين، والمستهلكين المتطورين مع طبقة كبيرة من غير المنتجين وغير المتعلمين، غير متبلورة بشكل كامل، تضطر للتحضر فجأة للتخلص من الفقر. والآن تبرز فنزويلا كقوة صاعدة في جميع المجالات. وقد حققت فنزويلا نقلة نوعية في مجال التنمية الاجتماعية والإنتاجية. إن أعداء الثورة البوليفارية يقولون بلا خجل أن سبب الانتصارات الانتخابية الثلاثة عشر لتشافيز هو أن الشعب الفنزويلي شعب مغفّل. والحقيقة هي أن الشعب لم يخطئ، لأنه يستطيع ببساطة مقارنة حالة الرخاء التي يعيشها الآن مع حالة البؤس المدقع التي عاشها في ظل الحكومات السابقة.
ليس الهدف هنا إجراء تقييم لإنجازات الثورة البوليفارية، وهي على أية حال واضحة للجميع. ما أود ابرازه هنا هو مقام تشافيز الذي أصبح بالإضافة إلى كونه زعيم سياسي، فيلسوفاً اجتماعياً حقيقياً قادراً على تحليل تناقضات عصره، ويقترح على البشرية كلها مسارا قابلا للحياة، نحو عالم آخر. وعندما يقوم المؤرخون في المستقبل غير البعيد جدا بمقارنة هذه السنوات من الالتزام والاستقلال والتنمية في أمريكا اللاتينية، فإن الجميع سيدرك لا محالة أن تشافيز قد وسم موجات التاريخ الطويلة، وهي نفسها التي تكمن وراء ما هو ظاهر وعادي، ونفسها التي تسبب التقزح اللوني للمحيطات، ونفسها التي ترمز إلى عالم تسوده العدالة والحرية للبشرية جمعاء.
حياة خالدة لتشافيز، الذي أصبح يمثل ضمير العالم. لقد خلّص الفنزويليين وسكان أمريكا اللاتينية بشكل عام من الرداءة والجمود القاتلين اللذين كانا يقيداهم، وأقتبسُ هنا من الرفيق فيديل: يمكننا أن نقول بشكل قاطع أن التاريخ قد غفر له بالفعل، وأعتبره علامة فارقة في المعركة الكبيرة من أجل عالم بديل.
كلمة نقيب الأطباء الدكتور أحمد العرموطي:
نلتقي اليوم للحديث عن أحد قادة العالم الثالث العظام القائد الاشتراكي هوغو تشافيز، القائد الذي ترك بصمته على الأحداث، وترك أثراً إيجابياً في بلاده وبلاد العالم الثالث والبشرية جمعاء.
القائد هوغو تشافيز الاشتراكي القومي قاد بلاده نحو الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لأنه آمن ببناء المجتمع الاشتراكي القومي والتنمية المستقلة وحق المواطن بالعلم والعمل والصحة والمعيشة الكريمة، وهذا كان انعكاساً لإيمانه بشعبه وإمكانياته وقدراته وحقه في الحرية والحياة الكريمة.
كما وقف مع الشعوب المقهورة والمنهوبة والمستعمرة، وساند حركات التحرر العالمية ودعم المقاومة الفلسطينية، ووقف ضد السياسة العدوانية للكيان الصهيوني التي مارسها بحق الشعب الفلسطيني والأمة العربية وانحاز إلى قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة ووقف ضد السياسات الاستعمارية الأمريكية الأوروبية في أمريكا اللاتينية وفي الشرق الأوسط.
هوغو تشافيز أيها القائد الرمز.. القائد المناضل.. كنت ثورياً حقيقياً صادقاً، كحال عبدالناصر صديقك، انتمى كل منكم إلى الفقراء والعمال والفلاحين وناضل من أجلهم وأعاد لهم حقوقهم في العلم والمعرفة والعمل والصحة. حاربتم الإقطاع والاستغلال والهيمنة الأجنبية، عملتم من أجل بناء مجتمع متماسك، حر، كريم، ينعم فيه المواطن بالحرية والكرامة ولقمة العيش الكريم، من أجل ذلك قمتم ببناء عشرات الجامعات وآلاف المدارس وآلاف المصانع ومئات آلاف من المشاريع الإنتاجية الصغيرة للقضاء على الفقر، وبناء مساكن للفقراء، كما بنيتم قطاعاً صحياً من أجل تقديم العلاج المجاني للمواطنين، وقررتم التعليم المجاني لكل المواطنين.
إن تجربة المناضل هوغو تشافيز الاشتراكية القومية تجربة إنسانية متميزة ستبقى تمثل إلهاماً لشعوب العالم المقهورة والمظلومة لأنها وضعت كل إمكانيات وثروات فنزويلا في خدمة أهداف الشعب، لذلك أحبه شعبه وأكدها أمام العالم أجمع ومن خلال صناديق الاقتراع، وتجربتك أيها القائد ستبقى نبراساً لنا وللأمم كلها لمواجهة الفساد والاستغلال ونهب الثروات الوطنية وبناء مجتمع الكفاية والعدل.
هوغو تشافيز القائد المعلم حمل راية الحرية والعدل ومقاومة الاستعمار، ولم تلن له قناة ولم يستسلم أمام الأعداء، وقف أمام أمريكا وسياساتها ودعم المقاومة العربية ووقف ضد العدو الصهيوني، من أجل ذلك ستبقى شعوبنا تذكره كرجل عظيم غيّر مجرى التاريخ في أمريكا اللاتينية وبنى تجربة إنسانية عظيمة ودعم حقنا العربي التاريخي في فلسطين، وسيظل في ذاكرة التاريخ البشرية كقامة كبيرة وعظيمة تميزت بما قامت به كمناضل قومي اشتراكي ناصري النزعة معادي للاستعمار، صديق للشعوب المقهورة حبيب الفقراء والفلاحين والعمال.
ونرد على أوباما حول موقفه من يهودية الدولة الصهيونية لنؤكد له بأن فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر هي أرض عربية وستعود كذلك والاحتلال مهما طال إلى زوال.
تشافيز، جمال عبدالناصر، كاسترو، جيفارا.. وآخرين ستبقون منارات في تاريخ البشرية تهتدي بها الشعوب وسيبقى شعب فنزويلا العظيم على طريق الحرية والعدالة الاجتماعية وعلى نهج قائده، الراحل هوغو تشافيز.
كلمة الأمين العام للحزب الدكتور سعيد ذياب:
نلتقي اليوم وإياكم لنؤبن وإياكم فقيد فنزويلا وأمريكا اللاتينية، وفقيد أحرار العالم، ذلك المناضل الصلب والعنيد في وجه الإمبريالية الأمريكية، والنصير لأمتنا العربية وقضايا العادلة، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية، ونصير لكل قضايا المظلومين.
هوغو تشافيز وريث سيمون بوليفار وحامل رايته.. إنه صرخة أمريكا اللاتينية والصوت المدوي ليسارها الرائد والمجدد الرافض للديكتاتوريات والأنظمة الرهينة والمرتهنة لليانكي الأمريكي، الباحث عن فجر جديد لها مشرق متحرر من كل قيود التبعية والارتهان.
نحن الآن نتحدث عن مناضل.. خرج من وسط قومه وشعبه متسلحاً بكل عزم وتصميم لخدمة ذلك الشعب في صورة من نكران للذات عز نظيرها.. لأنه كان نصير الفقراء، وكان همه انتشالهم من فقرهم، تعلقوا به، وبكوا عليه، تصدى لهيمنة الفئات الحاكمة والفاسدة الداخلية، والسياسات الإمبريالية الخارجية.
هو بلا أدنى شك ظاهرة تاريخية، جاءت في وقتها وزمانها، لانتشال فنزويلا وأمريكا اللاتينية وشعوبها المقموعة التي ابتليت بالديكتاتوريات والمقهورة بالفقر.
لقد جاء تشافيز وحركته البوليفارية في وقت محدد من تاريخ الدولة الفنزويلية، فشلت فيها كل السياسات الليبرالية الجديدة وما عرف بالديمقراطية الاجتماعية.
لقد آمن بالديمقراطية ولكن أرادها أن تكون ديمقراطية تشاركية يتمكّن الشعب فيها من المشاركة الفعلية في بناء حاضره ومستقبله.
كان برنامجه الساعي للقضاء على الفقر والفساد، سبباً في إثارة النخب السياسية البرجوازية التي راحت تشن هجوماً ضده، سواءً بالطعن بشرعيته أو وصولاً إلى الانقلاب عام 2002. كان يسعى إلى دستور جديد، يعيد بناء الدولة الفنزويلية بما يعزز المشاركة الشعبية.
كان النجاح الذي حققه في بناء اقتصاد مزدهر، والفشل الذي منيت به المعارضة في انتخابات عام 2006، كل هذا ساعده على أن يعلن بوضوح عن توجهه في بناء اشتراكية جديدة، قوامها الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، اشتراكية بطبعتها الديمقراطية التشاركية.
لقد نجح هوغو تشافيز في توحيد أمريكا اللاتينية، لأنه كان يرى في وحدتها تكمن قدرتها على مواجهة جبروت الولايات المتحدة التي حولت تلك القارة إلى حديقة خليفة لها وحرمتها لعهود طويلة من التمكن حتى من إنجاز غذائها.
قد تكون الحركة البوليفارية خسرت قائدها ومؤسسها، ولكننا واثقون أن رفاق هوغو تشافيز سيكونون السدنة الأوفياء لمبادئ تلك الحركة التي جاهد من أجلها الرفيق تشافيز.
تلك المبادئ لم ولن تنتهي برحيل تشافيز، فالرجال يبقى ذكرهم ومكانتهم بما يولدونه من أفكار ومبادئ ومثل.
تشافيز بكاه كل الفقراء والمضطهدين في العالم، رحل مبكراً.. لم يمهله القدر ليستكمل برنامجه الطموح في تعزيز وحدة أمريكا اللاتينية وبناء الديمقراطية التشاركية وتعزيز العدالة الاجتماعية وتخليص فنزويلا من كل مظاهر الفقر والفساد.
إذا كانت أمريكا اللاتينية قد شقت طريقها بنجاح من خلال تبوء قوى اليسار موقعهم الطبيعي في قيادة شعوب تلك القارة، فإن منطقتنا العربية لا تزال تعيش تحت وطأة المؤامرات الأجنبية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، مستهدفةً وقف تطورها ونهوضها، وإذكاء الفتن المجتعمية والطائفية بقصد تفتيتها والقضاء على وحدتها وكينونتها السياسية، وإلغاء قدراتها ونهب ثرواتها. ولعل نجاح تلك القوى على حرف صراعنا مع العدو الصهيوني وعدم إعطائه الأولوية في المواجهة نحو جهةٍ أخرى، تحت شعارات مذهبية لن تقود إلا إلى مزيد من تدمير الذات وقبولاً بسياسات الدول المعادية.
إن القوى التقدمية العربية مدعوة في هذه اللحظة التاريخية الهامة، إلى القيام بدورها الذي تأمله الجماهير منها، في النهوض وقيادة الجماهير للتصدي للمخططات الأمريكية والرجعية العربية والإقليمية، لبناء مجتمعاتنا الديمقراطية والتقدمية.
التحية لشعب فنزويلا والخلود لقائدها الراحل هوغو تشافيز .. والخلود لشهداء أمتنا العربية.