لا قانونية في قانون نقابة الائمة
ان المنظمة النقابية حسب الاتفاقية الدولية اتفاقية حق التنظيم النقابي رقم (98) تؤكد ان التنظيم النقابي ينحصر في تنظيم شؤون العمال ، واستثنت المادة (6) منها الموظفين العموميين ، حيث جاء فيها " لا تتناول هذه الاتفاقية شؤون الموظفين العموميين العاملين في إدارات الدولة " ، وبالرجوع الى الفقه القانوني نجد ان تعريف النقابة انها " جماعة ذات شخصية اعتبارية تتكون بطريقة حره من مجموعة من العمال ينتمون الى مهنة واحدة او مجموعة مهن متماثلة بهدف تمثيل اعضائها مهنيا وحماية حقوقهم والدفاع عن مصالحهم " أي ان المنظمة النقابية تتكون من مجموعة من العمال الذين ينتمون الى مهنة واحدة او الى مجموعة مهن متماثلة او مرتبطه " ، أي ان من ابرز المعايير في الطبيعة القانونية للنقابة انها تمثل انتماء اعضاء يوجد بينهم رابط مشترك من حيث المهنة والصناعة الواحدة او التماثل بينها ، وان جميع قرارات الاتفاقيات الدولية تؤكد على حرية اقامة النقابات للعمال واصحاب المهن ، ويثور هنا التساؤل هل الوظائف الحكومية تعتبر مهن بهذا المعنى ، مفهوم المهنة:لغة : العمل ، والعمل يحتاج إلى خبرة ومهارة ،واصطلاحاً: مجموعة من الأعمال تتطلب مهارات معينة يؤديها الفرد من خلال ممارسات تدريبية مفهوم الحرفة : لغةً : من الاحتراف ، وهو الكسب ،واصطلاحاً : عمل يمارسه الإنسان يحتاج إلى تدريب . فوظيفة الامام والمؤذن لا تعتبر مهنة او حرفه كونها وظيفة وهي من الفئات المستثناة من حق تكوين النقابات كرجال القوات المسلحة والامن العام والتي يعتبر عملها وظيفة عمومية قد تؤدي الى الازدواج والتعارض في المصلحة ، فالامام والمؤذن من موظفي الدولة المرتبطين بتسلسل اداري ويقوموا بتنفيذ الاوامر الصادرة اليهم من مراجعهم المختصة وتنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقهم الواردة في التشريعات ذات الصلة ، والامام والمؤذن هما موظفان حسب تعريف نظام الخدمة المدنية ، والوظيفة تختلف بمعناها عن الحرفة والمهنة ، وبما ان وظيفة الامام والمؤذن ترتبط بالتقوى والورع وابتغاء وجه الله وليس بمنافع دنيوية الا ان الدولة الزمت نفسها بدفع رواتب لهم كي ينقطعوا عن المكاسب للتفرغ في تادية الصلاة وامور الدين للناس ، لان الدولة تكفل للمواطنين تاديه الشعائر الدينية وبالتالي لا بد من تعيين موظفين لادارة هذا المرفق .
ومن ناحية اخرى فالأذان والإمامة عبادتان جليلتان لابد فيها للعبد من الإخلاص، ومعنى الإخلاص في هذا الموطن أنه يعمل هذا العمل تقرُّبا إلى الله جل وعلا، لا لنيل مال أو لنيل رياسة، وقد قال جل وعلا :{{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}}[هود:15-16] وهذا يدل كما قال العلماء: على أن إرادة الحياة الدنيا وأن إرادة المال أو إرادة الجاه أو إرادة السمعة بأمر هو من العبادات أن هذا قادح في الإخلاص في ذلك..ولهذا قال العلماء: إنما يأخذه الإمام أو المؤذن من رَزق يفرضه ولي الأمر للإمام أو المؤذن إنما هو رَزق له ليستعين به على أداء هذا الواجب الشرعي، واجب التأذين وواجب الإمامة، فالتأذين واجب كفائي، والإمامة كذلك، وهذان الواجبان الشرعيان يفرض لمن قامت عليهما رزق من بيت المال يعينه على أداء ذلك؛ ولكن لا يكون قصد الإمام أو قصد المؤذن ما يأخذه، فإن أخذ أدى التأذين أو الإمامة، وإن لم يأخذ لم يؤدِّ، فإن هذا ليس من الإخلاص.ولهذا كان ابن عمر رضي الله عنهما يطوف بالكعبة فأتاه رجل وسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فقال لابن عمر: يا ابن عمر لم ترد علي السلام. قال: نعم إنك مؤذن تأخذ على أذانك أجرا. والفرق بين الأجر والرَّزق في هذا أن الأجر يقول ومن يريد هذا العمل أعطوني كذا وإلا لا أؤذن لكم، أعطوني كذا وكذا على الصلاة أو على الفرض الواحد وإلا لا أؤدي لكم، فمن قال ذلك فإنه يريد أن يستأجر لأداء هذا العمل العبادي، فليس جائزا أن يجاب على ذلك؛ بل يجب على من يكون عنده أهلية لذلك أن يقوم به عند فقد من يقوم به من جهة التطوع.وهذا الأصل العظيم إذا تحرّكت به النفوس فإنه يكون أداء الأمانة في ذلك أعظم ما يكون في أنه يؤذن لله ويؤم الناس لله، وحينئذ إذا أذن لله وأمّ لله فإنه إذا أتاه شيء من الرزق أو من المال أو من السكنى فإنه تعينه على أداء طاعة الله جل وعلا وليست مقصودة في نفسها.
وبالنتيجة فان عبادة الامام والمؤذن لا تعتبر وظيفة بالمعنى القانوني انما سميت بذلك مجازاً لانها عبادة ابتداء ولا يليق بها ان تكون مهنة او حرفه ، وان الاجر الذي يتقاضاه مقابل تفرغه وانقطاعه عن الكسب حتى لا يتكفف ويسال الناس وحفاظا على هيبته ومكانته ، وبما انها عبادة محضة فهل يمكن لنا مستقبلا ان نرى على غرار ذلك نقابات لبقية العبادات كنقابة للمصلين وقائمين الليل وللحجاج وصائمي رمضان والمتسوكين .
ومن الناحية النظرية والقانونية فان الفيصل المميز بين الوظيفة والمهنة انه لا يمكن لصاحب الوظيفة كما الامام او المؤذن بعد الانقطاع عن العمل ان يزاول ذلك لدى القطاع الخاص ، بينما الحرفة والمهنة مشتركة بين القطاع العام والخاص ولا فرق مهنيا وحرفيا بين القطاع العام والخاص ، فهل يمكن للجندي ان يزاول عمله كجندي بعد التقاعد لدى القطاع الخاص ، او الشرطي هل يمكن له فتح مركز امني قطاع خاص ،،، وهل يمكن للمتصرف او الحاكم الاداري ان يقيم محافظة او متصرفية في القطاع الخاص ،،، بينما الطبيب والصيدلي والميكانيكي والمعلم بامكانه ذلك ، وقد اكدت جميع الاتفاقيات الدولية ان حق التنظيم النقابي يعالج فئة العمال واصحاب المهن والحرف الواحدة وليس الوظائف العمومية .
وعليه فان قانون نقابة للائمة والعاملين بالمساجد ينطوي على مخالفة للاتفاقيات الدولية ومخالفة للقواعد والاصول القانونية ، وهناك محاذير شرعية ودينية لذلك لما يؤدي ذلك من انحطاط من قدر وجلالة المكانة ، ويعتبر ذلك سابقة خطيره للمخالفة قد يؤدي الاستناد عليها الاخلال بسير ومصالح الدولة العليا . ولا بد من توجيه سؤال الى دائرة الافتاء الاردنية لبيان فيما اذا كانت الامامة والاذان مهنة او وظيفة ام لا واذا استدعى الامر الاستعانة براي الازهر الشريف .