قراصنة الحراك!!

للثورات تعريف لا يقبل التبسيط والاختزال، ولها أقانيمها وكيمياؤها الثقافية والتاريخية، لهذا نفضل استخدام كلمة حراك رغم انها ايضا غالبا ما تستخدم خارج سياقها، والعالم ومنه فرنسا التي تستخدم ثورتها بمناسبة وبلا مناسبة، عرف الكومونة، والعصيان وعواصف التغيير من طراز أحداث مايو عام 1968.
وقراصنة الحراك، هم من السلالة ذاتها التي تتربص بما لم تساهم في خلقه ولم تكن طرفاً فاعلاً فيه،والحراك أشبه بطائر يسمى نقار الخشب بسبب منقاره الحاد الطويل الذي يحفر به أعشاشاً في جذوع الاشجار الضخمة ولا يدرك بأن هناك جوارح تراقبه بحيث ما ان يفرغ من بناء العش ويضع البيض فيه حتى ينقض عليه القرصان الطائر ويسطو على ما بنى ويلتهم البيض. وقد نبه ثوار كبار في التاريخ من ظاهرة القرصنة والاختطاف، يقول جيفارا مثلا ان من يقطف ثمار الحراك هم الجبناء بينما الذين يقودون ويجازفون بأنفسهم هم الذين يدفعون الثمن.
لكن أين هو البارومتر أو الحاسوب الذكي الذي يمكن له ان يتولى الفرز بين الثائر والقرصان؟ بالطبع ما من بارومتر من هذا الطراز، لهذا لا بد ان تختلط الاوراق لبعض الوقت، ولا بد للبوصلة ان تصاب بالعطب قبل ان يعود كل شيء الى نصابه القويم.
ما يقترن غالباً بالحراكات الشعبية هو الفوضى وهي لا تقاس، لأن قليلها خطر ككثيرها، لأنها قابلة للتوسع والتصعيد، ما دام لكل قيس ليلاه التي يغني لها أو عليها.
والفارق بين حراك عقلاني له بوصلة سليمة ووعي يضبط ايقاعه وبين حراك أعمى هو ما يحدد الفارق في النهاية بين البناء والتقويض، وفي كل مجتمعات العالم ثمة أناس يكرهون الاضاءة ولديهم ثقافة الوطواط سواء في التسلل ليلاً او في امتصاص الدم، وهؤلاء يبحثون عن اية فرصة تتيح لهم تحقيق مآرب لا صلة لها بأي شعار وطني أو هاجس العدالة، ولا يوجد حتى الآن أمصال يمكن تلقيح الشعوب بها ضد هذا الفيروس غير المناهج التربوية التي تسعى الى تحرير الوعي من مضاداته والتفوق على الاندفاعات الغريزية، لكن مثل هذه الامصال غير معترف به لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن يعهد اليهم بالتوعية والتثقيف يحتاجون الى توعية وثقافة مضادة لتربويات الفهلوة والميكافيلية.
ما من حراك كان بلا قرصنة أو محاولات اختطاف، لكن الفارق بين حراك أصيل يعرف ما يريد ولا يتوقف عند إفراغ حمولته من شتى المكبوتات وبين حراك أعمى تحكمه المحاكاة أو فائض الطاقة التي لم تجد متنفسات صحية، هو ان الحراك المعافى ينتهي الى بناء دولة وتسييد قانون وترسيخ عقد اجتماعي بينما ينتهي الحراك الاعمى الى فوضى مدمرة لا يسلم منها شيء، وأول ضحاياه هو الدولة ذاتها عندما يجري تفكيكها وتجريف كل مفاعيلها، وعندئذ لا يكون الامر كما يوصف في هذه الايام مجرد دولة فاشلة، بل عودة الى ما قبل الدولة، وما قبل القانون.
وللاختطاف أو القرصنة في هذا السياق مهارات وحيل تكتسبها من التكرار، فهل ينعكس هذا على ضحاياها بحيث يتجنبون الكمائن؟؟