حياد الأردن الصعب في الأزمة السورية
المدينة نيوز - تناولت صحيفة القدس العربي في افتتاحيتها الخميس، الأزمة السورية وتداعياتها على الأردن، وتاليا نصها :
تعاطي الحكومة الاردنية مع الازمة السورية وتطوراتها يمكن مقارنته بحال شخص يسير في حقل من الالغام شديدة الانفجار ويبذل جهودا كبيرا حتى لا ينفجر احدها، ويفقد احدى ساقيه او الاثنتين معا ان لم يكن اكثر.
الاردن محاط بقوى اقليمية هي الاقوى في المنطقة فهناك العراق في الشرق وسورية في الشمال واسرائيل في الغرب، والمملكة العربية السعودية في الجنوب الشرقي، ولا تمر خمس، او عشر سنوات دون ان تتفجر ازمة داخلية او تشتعل حرب في واحدة من هذه الدول او اكثر.
فعندما احتلت امريكا العراق، وتصاعدت احداث العنف الطائفي فيه، تدفق اكثر من مليون لاجئ الى الاردن، مثلما لجأ اليه الكثيرون قبل ذلك هربا من الحصار الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة. ولا ننسى ايضا تدفق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين على الاردن في موجات متلاحقة بفعل الحروب الاسرائيلية.
اليوم يجد الاردن نفسه يواجه المعضلة الاكبر في تاريخه الذي يمتد لاكثر من تسعين عاما كامارة ثم دولة، وتتمثل هذه المعضلة بالازمة السورية التي يمكن ان تتطور وربما في اشهر معدودة، الى حرب اقليمية او دولية يكون هو في قلبها ليس بحكم الجوار فقط، وانما بسبب تحالفاته الاستراتيجية مع قوى عربية ودولية متورطة في هذه الازمة بطريقة مباشرة.
السيد عبدالله النسور رئيس الوزراء الاردني علق الجرس بالامس، وعبر عن مخاوف بلاده بوضوح عندما قال في كلمة له في البرلمان ان بلاده لا تريد ان تكون جزءا من حرب اقليمية بسبب الازمة السورية، دون ان يوضح اكثر للمشرعين الاردنيين طبيعة هذه الحرب وكيفية اشتعالها.
الحرب قادمة دون شك، فالحلول السياسية للازمة السورية باتت احتمالاتها شبه معدومة في عملية التسليح المكثفة لطرفي الصراع، فالدول الغربية، ومعها بعض دول الخليج، تسلح المعارضة السورية، او بالاحرى غير الجهادية منها، وروسيا وايران تسلحان النظام وتدعمانه في المقابل.
ثلاث دول ستتضرر بشكل مباشر في حال تحول سورية الى دولة فاشلة غير مسيطر عليها من حكومة مركزية قوية هي الاردن واسرائيل ولبنان، ويمكن اضافة دولة رابعة اليها وهي العراق. فسورية تشهد حاليا حربا اهلية طائفية، وحربا اقليمية بالوكالة على ارضها بين دولتين هما المملكة العربية السعودية وايران، وحربا دولية باردة تسخن درجة حرارتها تدريجيا بين الولايات المتحدة من ناحية وروسيا من ناحية اخرى.
الاردن لا يستطيع ان يكون محايدا في الحربين الاقليمية والدولية في حال بلوغهما الى ذروتيهما، فهو في قلب المعسكر الامريكي ـ السعودي في مواجهة المعسكر الايراني ـ الروسي، ولكنه يحاول قدر الامكان ان لا يندفع كثيرا، وبصورة علنية في دعمه للمعسكر الاول، وتنفيذ طلباته كافة.
العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني لم يلعب اي دور في القمة العربية التي انعقدت في الدوحة، وكان بصدد المغادرة بعد الجلسة الافتتاحية، ليس لان علاقة بلاده مع الدولة المضيفة (قطر) غير ودية على الاطلاق، ولم يكن صدفة ان يعرج على المنامة قبل توجهه الى الدوحة، وانما لانه يريد ان يظهر بمظهر الحيادي، او بالاحرى غير المندفع في موقفه تجاه الازمة السورية التي سيطرت على اعمال القمة كليا.
الصداع السياسي والامني الذي يعاني منه الاردن بسبب تدفق تداعيات الازمة السورية وامتداداتها الى اراضيه، ليس فقط على شكل حوالى مئتي الف لاجئ، وانما استخدام حدوده كممر لمرور الاسلحة والمقاتلين، وتحول بعض مراكزه العسكرية الى قواعد تدريب لقوات صحوات جديدة لمحاربة الجماعات الاسلامية.
صحيح ان الولايات المتحدة قدمت 200 مليون دولار كمساعدات مالية للاردن لاستيعاب هؤلاء اللاجئين وتعويضا عن بعض الخدمات الامنية الاخرى، ولكن الازمة المالية قد تكون جزءا بسيطا من مشاكل الاردن الحقيقية التي تتجه نحو التضخم في الاسابيع او الاشهر المقبلة.
حديث رئيس الوزراء الاردني عن رفض بلاده الانجرار الى حرب اقليمية هو نوع من التمنيات، فهذه الحرب ربما تتحول وتتناسخ الى حروب وقبل انقضاء هذا العام، فاحتمالات الهجوم الاسرائيلي على ايران ما زالت كبيرة، وكذلك حال التدخل العسكري الاقليمي والدولي في سورية، فالمسألة لم تعد متعلقة ببقاء نظام الاسد او سقوطه، وانما بعملية تغيير شامل قد تكتسح المنطقة كلها، وليس لدينا شك ان السيد النسور يعرف هذه الحقائق جيدا مثلما يعرفها العاهل الاردني قبله، بحكم صلاته الوثيقة مع صناع القرار في المنطقة او في العواصم الامريكية والاوروبية. ( القدس العربي )