نحن والملف السوري : «3» ملاحظات لفك الالتباس

النقاش الذي جرى - سواء في البرلمان أو في الإعلام - حول ملف “اللجوء” السوري في الاردن يحتاج الى مزيد من التحرير، فقد وقع البعض - سهوا أو عمدا - في مصيدة “الخلط” بين الموقف من الثورة ومن النظام تحت لافتة “الخوف” من فقدان السيطرة على ملف “اللاجئين” الذي أوشك عددهم ان يتجاوز المليون، واصبح من الضروري ان نضع النقاط على الحروف، وأنا استأذن - هنا - في اثبات بعض الملاحظات.
أولاها ان معظم الاردنيين يؤيدون الثورة التي قام بها الشعب السوري، او يتعاطفون معها على الاقل، كما انهم يرفضون “الوحشية” التي يستخدمها النظام في مواجهة هذه الثورة، وبالتالي فانهم يتعاملون مع اللاجئين الذي اضطروا الى الهجرة من مناطقهم بمنطق “الدعم” والمساعدة وتقديم الواجب، وفق قدرتهم واستطاعتهم، وقد استمروا في ذلك منذ عامين ولا زالوا، لكن يبدو ان الضغوطات الكبيرة التي تعرض لها المجتمع الاردني نتيجة التدفق الكبير للاجئين دفع البعض الى اثارة الموضوع من اتجاهين، اتجاه يدعو الى “ضبط” حالة اللجوء وفق اجراءات واضحة ومشروعة، وحق وجودهم في المخيمات التي انشئت لهم، وتحسين الظروف الانسانية فيها، واتجاه آخر دخل على هذا الخط لاغراض شخصية او سياسية، وحاول ان يخلط الاوراق، تارة لادانة مواقف الدول الاخرى التي تساهم في اشعال النيران في الداخل السوري، وتارة للدفع نحو تحميل الشعب السوري الكارثة التي حدثت وتجريح ثورته والدفاع عن النظام هناك وخلق رأي عام اردني “مضاد” للثورة وصولاً الى موقف سياسي رسمي يصب في مصلحة بقاء الاسد.
الملاحظة الثانية هي اننا بحاجة على المستويين السياسي الرسمي والشعبي الى فك الالتباس بين ملف “الثورة” وملف “اللجوء”، صحيح ان الثاني افراز طبيعي للاول، لكن الصحيح ايضا ان موضوع الثورة هو شأن داخلي يهم سوريا كلها، وبالتالي يفترض ان لا نتدخل فيه، وان ننأى عنه، لكن ملف اللجوء اصبح امرا واقعا يفترض ان نتعامل معه باعتبارنا اكبر المتأثرين به، بل والمتضررين منه، وواجب الحكومة هنا ان يكون لها موقف محدد منه، لا بطرد اللاجئين مثلا، او عدم المساهمة في رفع المعاناة عنهم، فهذا الموقف يرفضه الشعب الاردني.
ولكن هذا لا يمنع ان يتم “ضبط” العملية، سواء من جهة الاشخاص المسموح لهم بالدخول، واعدادهم، ومناطق تجمعهم، والاهم اولئك الذين يدخلون عبر المطار، وينتشرون في المدن ويزاحمون الاردنيين على فرص العمل او يمارسون اعمالا غير مشروعة، وهؤلاء يجب معاملتهم خارج اطار “اللجوء” فهم وافدون معظمهم لم يضطروا للهجرة لاسباب انسانية، وانما لاسباب اخرى. وهنا لا بد من وضع اولويات الامن والامكانيات المتاحة وظروفنا الاقتصادية والاجتماعية كمحددات للتعامل مع ملف “اللاجئين” كما فعلت بعض الدول الاخرى.
اما الملاحظة الثالثة، فتتعلق بالشق السياسي، فنحن مثلا ضد اي تدخل عسكري في سوريا، وضد اية عمليات تدريب او تسليح لاي طرف من اطراف “الصراع”، وهذا يفرض علينا ان نحدد موقفنا السياسي من الازمة، بحيث يكون موقفا مستقلا وغير قابل لاية ضغوطات دولية او اقليمية، لكن هذا - واقعيا - يحتاج الى قراءة عميقة للملف السوري من كافة جوانبه، والى “دور” اردني حقيقي يستهدف انهاء الازمة، لا لانقاذ “سوريا” من دوامة الحرب الاهلية وتداعياتها على القطر السوري والامة فقط، وانما ايضا دفاعا عن المصالح الاردنية التي ستكون تحت دائرة “الخطر” اذا ما استمر الصراع وتحولت سوريا الى الصوملة او البلقنة او غيرهما من النماذج المرعبة.
حين قلت في مقالة سابقة بأن “الحرب” التي تجري في سوريا ليست حربنا، وبأنه لا يجوز ان ندفع ضريبتها على حسابنا وحدنا، كنت اعني ما اقول حقا، لا على صعيد “اللاجئين” وملفهم الانساني الذي لا يمكن لنا ان نتجاهله او ان نعتذر عن القيام بالواجب تجاهه، من منطلق الدين والاخوة والانسانية، وانما على صعيد الشق السياسي الذي يفترض ان نتعامل معه بوضوح وبجدية، فنحن لا مصلحة لنا ابدا في “التورط” بهذا الصراع، ولا في الرضوخ للضغوطات مهما كانت، ولا في توظيف الشأن الانساني في اتجاهات اخرى غير مفهومة.
باختصار شديد، نحن مع الثورة السورية وضد النظام القاتل، ومع اللاجئين بما نستطيع ان نقدمه لهم، لكننا لسنا مع الحرب ولا مع الاطراف التي تشعلها ولا مع “استخدامنا” لتأجيجها، ولا مع تحميل بلدنا ما لا يحتمله تحت أي لافتة أو أي عنوان. ( الدستور )