لو كانوا مثل شيخ الأزهر

لو كان كل مسؤول مصري يملك الخبرة والثقافة والحكمة والنزاهة للقيام بالعمل الذي انتُدِب له كما يفعل الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لكانت مصر اليوم تلك المدينة الفاضلة، أو «يوتوبيا» لم توجد يوماً إلا في كتب الفلسفة.
الدكتور الطيب هو المسؤول المصري المفضَّل عندي منذ سمعت إسمه قبل سنوات وتابعت عمله. وكنت سجلت في هذه الزاوية يوماً أنه لو لم يفعل الرئيس حسني مبارك شيئاً في سنواته الخمس الأخيرة سوى تعيين أحمد الطيب شيخ الأزهر لكفاه ذلك فضلاً وفخراً. وجلست مع الدكتور الطيب في مكتبه خلال زيارتي الأخيرة مصر لأسمع منه وأعرض عليه اقتراحاً يتردد في فكري منذ سنوات، وتأكدت من صدق رأيي في الشيخ الفاضل.
كنت اقترحت في زاويتي هذه غير مرة أن يفتح الأزهر الشريف حواراً مع بعض الكنائس المسيحية الغربية، خصوصاً الأميركية التي تعارض احتلال الأراضي الفلسطينية، وتدعو أتباعها الى مقاطعة اسرائيل، والتجاوب مع دعوة البابا الجديد فرنسيس الأول الى حوار بين الكنيسة الكاثوليكية والمسلمين، ووجدت أن الدكتور الطيب، بما له من ثقافة غربية، مع ثقافته العربية والإسلامية، يملك فكرة طيبة عن الموضوع ويتابعه.
عصابة اسرائيل، من لوبي ومتطرفين ومستعمرين في فلسطين على أساس خرافات توراتية تحولوا من الحديث عن إرهابيين مسلمين، وهؤلاء موجودون، الى اتهام الإسلام بتشجيع الإرهاب، مع أن في التوراة نصوصاً لا تحتمل التأويل تدعو الى إبادة الجنس. وأعتقد أن هناك مجالاً واسعاً لفتح صفحة تعاون مع جماعات سلام غربية وجامعات وكنائس لم تعد تخدعها اسرائيل.
ستكون لي عودة الى هذا الموضوع مع القراء في المستقبل، ولا أقول اليوم سوى أن الأزهر الشريف أفضل مَنْ يقوم بالمهمة وشيخه الأكبر هو الدكتور أحمد الطيب.
منذ سنوات وأنا أرى أداء الأزهر الشريف نقطة رجاء وسط بحر الفشل والإحباط وأحياناً اليأس الذي تتخبط به السياسة المصرية، وأردد أحياناً مع الشاعر القديم: «يسوسون الأمور بغير عقل / فينفذ أمرهم ويقال ساسة».
لا أتحدث عن أفراد وإنما عن وضع عام بدأ في السنوات الأخيرة للرئيس مبارك واستمر وزاد سوءاً مع وصول «الإخوان المسلمين» الى الحكم. والرئيس محمد مرسي يحاول ولا أحمّله إطلاقاً المسؤولية عن أي فشل وإنما أنتظر أداءه، وأعطيه الوقت الكافي لإيجاد حلول لمشاكل معروفة، وأكتفي منها بالاقتصاد الذي لا يوفر للمواطن المصري الآن حداً أدنى من الحياة الكريمة.
الرئيس مرسي دعا المستثمرين العرب الى الاستثمار في مصر. أنا أدعوهم أيضاً، ولكن كيف يمكن أن يستثمر ثري عربي في مصر، وقبل دعوة الرئيس بثمانٍ وأربعين ساعة فقط كانت الحكومة تتحفظ على أموال 23 ثرياً مصرياً وعربياً في مصر، وتأتي المحاكم في اليوم التالي وتلغي القرار لمخالفته القانون.
لا سحر في الموضوع، فالمُستثمِر يريد ضمانات تحمي ماله، وهذا ما فعل لي كوان يو في سنغافورة، فبنى، من دون موارد طبيعية من أي نوع، وبشعب نصفه «مستورَد»، اقتصاداً مزدهراً دَخْل الفرد فيه يعادل دخل الأوروبي والأميركي أو يزيد.
لي كوان يو لم يؤسس دولة ديموقراطية، فهو بقي رئيس وزراء سنوات وابنه ورث رئاسة الوزارة عنه ليصبح هو رئيس وزراء فخرياً. إلا أنه بنى دولة القانون، فلو ذهب مستثمر عربي الى سنغافورة، لكان من ساعة نزوله في المطار يملك من الحقوق على أساس قانون عادل واضح ما لا يملك رئيس وزراء سنغافورة.
هل نرى حكم قانون في مصر يشجع على تدفق الاستثمارات العربية؟ القضاء المصري يدافع بشراسة عن استقلاله إزاء حكم الجماعة كما فعل أيام مبارك، وهو نقطة رجاء أخرى في بحر القنوط. والمنطق يقول إن المطلوب استقلال القضاء لا «أخوَنته» إذا كان لمصر أن تنهض على قدميها وينهض العرب جميعاً معها، بدل العيش على فتات المساعدات الخارجية المشروطة، ولا ضمانة لاستمرارها إلا ببقاء مصر أسيرة مصالح المانحين.
أرجو أن نرى أداء سياسياً أفضل، ومن مستوى أداء الدكتور أحمد الطيب في الأزهر الشريف. ( الحياة اللندنية )