عندما نتحول إلى مجرد "فولكلور"
عندما يتم تحويل الأوطان إلى تراث و"فلكلور" مجرد، فنحن نعيش زمن الأوهام والأحلام، ونعيش على هامش الحياة، بلا حقيقة وبلا جوهر وبلا مستقبل وبلا وجود ملموس، وعندما يتم تحقير الانتماء والوطنية على أغنية ومعرض ورقصة شعبية وكوفية، فقد شربنا كأس الهزيمة المغلفة الخالية من ألم الجرح الذي قد يعيد اليقظة.
كانت فكرة إحياء التراث والإبداع في أدبيات الفلكلور الشعبي، والاحتفال بالمناسبات، واستدعاء مظاهر الأصالة، من أجل ابتكار الأدوات والأساليب التي تدعو إلى التمسك بالوطن والتمسك بمنظومة القيم التي تحفظ الذات، وتهيئ إلى إشعال الوجدان بقيم الانتماء العميق الذي يشكل المحرك الرئيسي للأجيال من أجل أن تكون مستعدة للدفاع عن أوطانها وثقافتها ومشروعها الحضاري ببطولة وعشق للتضحية والاستعداد للشهادة من أجل عزة الأمة وحماية مقدراتها.
الملمح الأخطر في فكرة التحول إلى "فلكلور" ما يُجرى الآن في القضية الفلسطينية، فأين وصلت مآلات مشروعات المقاومة والجهاد على الأرض الفلسطينية، وما هي الصورة الحقيقية للمقاومة في الميدان والواقع، ومتى كانت آخر عملية جهادية ضد الكيان الغاصب والمحتل، وماذا يُجرى الآن من تطورات في الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عموماً..
ما يُجرى وما تتم مشاهدته مشروع صهيوني يخطط وينفذ ويقيم الجدران العازلة، ويشيد المستعمرات، ويصادر الأرض، وينعم بالأمن والاستقرار والهدوء، على كل الحدود وعلى جميع الجبهات.
الحكومة الصهيونية الجديدة في أغلبها مشكلة من عقليات صهيونية تؤمن بيهودية الدولة، ذلك المفهوم الذي يقوم بجوهره على معنى الدولة الدينية الخالصة، الذي يقضي بغربة كل عربي وكل فلسطيني وكل من ليس بيهودي على أرض فلسطين، وهذا له آثاره ونتائجه الآنية والمستقبلية على وضع الشعب الفلسطيني المقهور.
الضفة الغربية تتعرض للتهويد الكامل والابتلاع، ويُجرى محاصرة المدن والقرى الفلسطينية وفقاً لمخطط صهيوني مدروس، وبرنامج استيطاني زمني تم الاتفاق عليه بين جميع الأحزاب والقوى الصهيونية التي تتولى إدارة الكيان وتتولى إدارة دفة الصراع.
في مقابل ذلك لا نكاد نلمس برنامجاً مقابلاً، فبرنامج المقاومة في سبات وغير قادر على وقف الاستيطان، وغير قادر على وقف الزحف الصهيوني المتوالي على الأرض يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة وعقداً بعد عقد، وغير قادر على الإخلال بأمن العدو، وغير قادر على وقف الهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين، وغير قادر على وقف تهجير الفلسطينيين من أرضهم وديارهم وغير قادر على وقف هدم البيوت في القدس وأطراف القدس، هل برنامج المقاومة يتقدم إلى الأمام، وهل هو سائر في برنامج زمني متصاعد قادر على امتلاك القوة، وقادر على إقناع جماهير الشعب الفلسطيني بالمستقبل الواعد وقادر على مواجهة مخطط دايتون ومخطط تحويل السلطة الفلسطينية إلى مشروع خادم للاحتلال ويقوم بمطاردة المقاومين وكبح نشاطهم وشل قدرتهم على القتال والمواجهة.
أليس من حق الجماهير العربية كلها أن تسأل عن مصير مشروع المقاومة والجهاد الذي كان يشكل مقدمة الرمح في خاصرة الاحتلال والمحتلين، وهل هو في تقدم وتمكين، وما هي الإنجازات الميدانية التي تشكل الطمأنينة وتبقي على جذوة الأمل في أقل تقدير، وكلنا خوف أن تتحول مشروعات الاستثمار في انشاء شركاء الإسكان والحج والعمرة، وإقامة المشروعات الاقتصادية وشراء الأراضي والعقارات وإقامة المعارض والاحتفالات، وحفلات الدبكة والتراث والشعر والزجل والظهور على الفضائيات، وزوايا الصحف لتصبح بديلاً عن المقاومة ومواجهة العدو. ( العرب اليوم )
