تسليح الجهل!!

صدر قبل فترة كتاب لـ «اوليفه روا» بعنوان الجهل المقدس، ولان مؤلفه من قارة اخرى عانت قرونا من الظلام، ثم دفعت ثمن التنوير كاملا، فهو لا يعرف ان هناك جهلا مسلحا وبدلا من الشعور بالخجل من الجهل يحدث العكس، اذ يزهو الجاهل على العارف واحيانا يشفق عليه، لانه كما تقول اغنية عربية ضيع في الاوهام عمره.
تذكرت الكتاب وما يثيره من شجون قبل ايام حين نسيت كتابا في مقهى وحين عدت لاسأل عنه اجابني صاحب المقهى قائلا الحمد لله، ان ما نسيته كتابا وليس موبايل او اي شيء اخر. لان الكتاب يبقى حتى لشهور في مأمن.
وحين قلت له ان عنوان الكتاب قد يثير فضول احد زبائنه وهو المثقف والسلطة ضحك وقال ان عنوان كتابك يضاعف من كونه في مأمن. ولو كان الغلاف لامرأة شبه عارية لاختلف الامر. او عن حياة فنانة او له صلة بالابراج.
واعترف بأنني كنت سأفرح لو ان الكتاب سرق، بعكس شعوري اذا فقدت شيئا اخر. لكن رياح الجهل تهب بما يشتهي قارب الورق او من يمسك مجدافين من ورق ويحاول الابحار، واذكر ان كاتبا امريكيا من جماعة اليينر الذين كانوا ظاهرة احتجاج مضادة للرأسمالية واسمه جيري روبين الف كتابا عنوانه اسرق هذا الكتاب وبعد ايام قليلة نفدت الاف النسخ من كتابه لان هناك من استجابوا لمطلبه الغريب وسرقوا الكتاب عن رفوف المكتبات.
الجهل المسلح لا يعرف الخجل لهذا يفعل المنكوبون به ما يشاؤون بلا اية كوابح او روادع، وهناك مجتمعات في هذا العالم يتحول فيها الجهل الى مطلب قومي، بحيث يصبح المثقف كائنا غريبا ومنبوذا ومطرودا كالبعير الاجرب من القافلة وحين تأزف مناسبات اعلامية للاحتفاء بالثقافة يتغير المشهد ويصبح تمجيد الثقافة طقسا احتفاليا لكن سرعان ما تنتهي الحفلة التنكرية ويعود كل شيء الى ما كان عليه.
الجهل المسلح يقدم لقاحات وامصالا للوقاية من فيروس الثقافة، خشية ان تتحول الى وباء، لان الجهل مناجم ومادة خام قابلة للاستثمار فهو الشرط الابدي لتسويق الخرافة، وتمرير الحيلة. وبالتالي قابليته للاستدعاء كاحتياطي اذا ظهر في الافق وعي مفارق للسائد والمقرر.
والجهل المسلح لا سبيل الى مقاومته لان قوته عمياء وبلا بوصلة، واحيانا يفترس صاحبه وهو لا يعلم.
لهذا فان من ينسى كتابا في مقهى او اي مكان عليه ألا يتعجل استعادته فهو ينتظره حتى يكتسي بالغبار اما الموبايل فهو شيء اخر، يسرق برشاقة النورس الذي يقال عنه بانه يصطاد السمكة ثم يراها!!
والمعادل الموضوعي الوحيد للجهل المسلح هو المريض المزهو بشحوب وجهه والرائحة الصفراء التي يفرزها جسده الموبوء. فهو يسخر من الطب والاطباء بدءا من ابقراط، لهذا فهو ليس على اي موعد مع الشفاء.
وما كتب ونشر من تقارير التنمية البشرية كان اجدر به ان يكرس للتنمية البقرية رغم ان الابقار تمتاز بصفة الاجترار اي لديها ما تعيد انتاجه بعكس الجهل المسلح الذي يشبه ثورا هائجا دخل الى متحف من الخزف!! ( الدستور )