دفن حيا
عمد مدير مكتبة عامة في أحدى الجامعات الرسمية الأردنية على وأد موظفي مكتبتة وهم أحياء مع أن عمليات الوأد قد ولت وانقضت منذ أمد بعيد, وذلك حينما أصر على نقل مكان عمل موظفيه إلى أحدى التسويات الأرضية الخالية من أي مقوم من مقومات الحياة الصحية الصحيحة والتي قد أعدها مسبقا كيدا ونقمة لهذه الغاية بعد أن أوهم الجميع بضرورة استبدال مكاتب الموظفين إلى قاعات دراسية ومطالعة للطلاب الذين يرتادون المكتبة لسويعات قليلة مقابل الساعات الطويلة التي يقضيها الموظفون في مكاتبهم على مر الأيام والشهور والسنين .. ومع ذلك قد تكون الفكرة مقبولة وجيدة بداية إذا ما أخذنا أحد شقي المسألة, لكن إذا ما أخذنا جانبها الآخر فإنها تصبح أكثر سوء وأشد حماقة ولا يزنها ميزان لبعدها عن الحل الأمثل الذي لا يكون على حساب طرف معين على حساب طرف آخر , فالموظفون هم من يبذلون الطاقات والجهد المضني لساعات طوال لا تخلو من المجهود الذهني اضافة للمجهود البدني, لذا فإنهم يستحقون من مديرهم الشكر والعرفات والكلمة الطيبة لا الإساءة والفحش والإصرار على الكيد المبيت المدبر, وهم أيضا بحاجة إلى نسمة الهواء العليلة الطبيعية غير الاصطناعية على أقل حد لا إلى رائحة الرطوبة والهواء الفاسد الذي لا يجد له منفذ في ذلك القبر سوى مناخر فئات الموظفين الغلابة.
نحن كابشر قد نختلف في وجهات النظر لتباين سبل الحياة وتعدد متطلباتها في كل لحظة, لكن يجب علينا إلا تأخذنا العزة بالإثم عندما نصر على خطأنا الواضح والصريح للعيان الذي لا يختلف عليه اثنان من ذوي الأربة, فنمضي قدما , ونصر اصرارا غريبا عجيبا على متابعة الخطى في خطأنا الفاحش كي نثبت للآخرين مستوى دكتاتوريتنا وصرامتنا وعنادنا الشديد في تنفيذ قرارتنا الثاوية الهزيلة الهابطة التي يفضل فيها الرجعة والأوبة السريعة بدلا من المضي في دربها الشائك العقيم .. نعم فالحكمة تأتي من كل صاحب لب وأربة, لا من فيه بطل من أبطال زمن الرويبضة .. والغريب في هذا البطل أنه حسب ما يروج له محسوب من الدائرة تسعة تسعة تسعة, ولعل هذا هو سبب ادرارته لأحد البرامج في محطة من المحطات الفضائية المأجورة, ولعله هو نفس السبب الذي جعله يتقلد منصب المدير لتلك المكتبة رغم حداثة سنه وكثرة زلاته وتعاظم هفواته وكبواته, ليكسر بذلك السبب القاعدة العتيدة المطلوبة في مواصفات المدير المتزن الصادق فيما يدلي وفيما يقول بعد ثلة المدراء السابقين المتزنين الذين نهضوا بالمكتبة وقادوها نحو مصاف المكتبات العالمية دون أن يخدشوا أو يتعرضوا بالإساءة للموظفين صغارا كانوا أم كبار . والله المستعان على كيد الظالمين.