أم خديجة .. وأمّ الربيعين!

العاصمتان الخالدتان، العباسية التي قال خليفتها للغيمة: اذهبي حيث شئت فإن خراجك لي، والأموية التي ألحق شاعرها الدنيا ببستان هشام.. تنافستا على الشعار الواحد ولم يحدث أن اشتبك توأمان كما اشتبكا فيهما!
وتنافستا على احتضان فصائل فلسطينية وعلى وعود بتحرير فلسطين، وأمس قرأت عما يجري في الموصل أو أم الربيعين كما توصف من اشتباك بين متسولات عراقيات وسوريات، والمتسولة المحترفة «أم خديجة» شكت للجميع من المنافسات الشاميات لأنهن جميلات وصغيرات.. ولو لم تكن قناة الدمع لدي قد جفت منذ زمن لأغرقت بالدمع هذه السطور.
تنافس قومي على التسول، وغيمة الرشيد صارت خيمة، أما الغوطة فهي بكل اشجارها رماد في المواقد لمن يدخنون الأراجيل من ملايين العرب المتعطلين عن كل شيء باستثناء العلف أو ما تسير منه.
بغداد الهوى والنوى وشام الأهل هما خبر في الصحف وعلى الشاشات المخصصة للتسلية، وصراع بين متسولات يستخدمن أعمارهن ومساحيق التجميل للمنافسة.
أهذا ما تبقى؟ حيث لم يسلم حتى الموتى من الذبح، فتمثال السّياب في البصرة مثقب بالرصاص. ورأس المعري ملقى بجوار جسدة الحجري على التراب. وأسد بابل يلتقط الجنود الأمريكيون الصور وهم يمتطونه فيما يصرخ الأيوبي من قبره وهو يرى القلاع تباع والأطلال كمائن يتناوب عليها ذوو القربى الأشد مضاضة!
لو أن ساحرة عجوز تقاضت من الأعداء اضعاف وزنها ذهبا وطلب منها ان تتنبأ للعاصمتين العباسية والأموية بهذا المصير لما بلغت في خيالها ما بلغه الواقع.
ليسموا ما يجري ربيعا أو فردوسا أو زلزالا، فالأسماء لا سعر لها، لكن اجدادنا حسنا فعلوا عندما قلبوا قائمة الأسماء كلها فأعطوا أقساها واخشنها لأبنائهم وأنعمها لعبيدهم، لن نختلف على التسمية لكن ما جرى هو انتحار قومي ولم يحدث لأية أمة في التاريخ أن نبشت قبور أسلافها لتبحث عما تبقى من نخاع في عظامهم وهي رميم!
أم خديجة المتسولة في الموصل هي من سلالة بنت الأزور ونازك الملائكة وسهى حديد وسفانة ابنة الطائي تنافسها بنات الشام على التسول من المارة وهم عرب من صلب عجم إلى أن يثبتوا عكس ذلك، ليس فقط في الموصل والبصرة بل في كل شارع وزقاق في هذه التضاريس الصفراء التي عطشت حتى انهارها، وقرر زيتونها ونخيلها الانتحار وفاء لمن زرعوا وعقابا لمن لم يستحقوا الجهاد!
إنها خاتمة لم يكن خيال المؤرخ هيرودوتس ليصل اليها، ولا جحيم دانتي أو دستوبيا أورويل.
ما الذي صنعناه بأنفسنا؟!
فما صنعه غزاتنا بنا أرحم، ما دام قدر الغيمة الرشيدية خيمة، وياسمين الشام لعاب الثعالب! ( الدستور )