(دير ياسين) ذكرى . . وعَبْرَة . . وعِبْرَة
بعد (65) سنة لا زلنا نستذكر مجزرة (دير ياسين)، تلك القرية الوادعة التي تقع غربي مدينة القدس؛ ففي (30/ جمادى الأولى/ 1367هـ = 9/ 4/ 1948م) دخل مناحيم بيغن يقود عصابات اليهود هذه القرية؛ حيث ذبحوا (205) رجلاً وامرأة وشيخاً وطفلاً، ومثّلوا بهم، فبقروا البطون، ووضعوا الأطفال في الأفران، وقطّعوا الأعضاء، ثم ألقوهم جميعاً في بئر القرية.
وقامت الدولة اللقيطة لليهود بعد خمسة أسابيع في فلسطين وسط زلزال من القتل وبركان من التدمير والتهجير، وسط العرب المشدوهين، والمسلمون الحيارى . . وظنّ اليهود –ويظنون- أنهم باقون في فلسطين . . ولكنّها أحلام الصيف سرعان ما تتلاشى مع أول هبة من رياح الخريف، حيث تتساقط أوراق يهود، وتتعرى عوراتهم، ويظهر لجميع البشر سوءهم، وشرهم، وخطرهم على البشرية، ثم يأتي زمهرير الشتاء الذي يحمل الشقاء مدمدماً؛ ليهز الكيان المسخ، ويؤذن برحيل الدولة الكرتونية التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، هذا ما تؤكده أدلة الوحي، وتقرره حقائق التاريخ، وتنتظره الأجيال الطاهرة، التي اقترب مخاض ميلادها، ليزهر الربيع الإسلامي العربي الفلسطيني في أرض الإسراء والمعراج، أرض الحشر والرباط، أرض الأقصى الذي لا ينسى -ولا يمكن أن ينسى- مهما عملوا على مسح الأدمغة ومسخها . . وتذكرت أبياتاً من قصيدة فلسطين الدامية الباكية التي حفظناها في بواكير الصبا:
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما . . . . على فِلسْطينَ رافعاً لها علما
رمتُ السكوتَ قهراً يوم مَصْرَعِها . . . . فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فما
فاضت جروحُ فِلَسْطينٍ مذكرةً . . . . جرحاً بأنْدَلُسٍ للآن ما التأما
يا أُمةً غرها الإِقبالُ ناسيةً . . . . أن الزمانَ طوى من قبلها أمما
سيُلحقون فلسطيناً بأندلسٍ . . . . ويَعْطفون عليها البيتَ والحرما
ويسلبونَك بغداداً وجلقةً . . . . ويتركونِك لا لحماً ولا وضما
جزاء ما اصطنعت كفاك من نعمٍ . . . . بيضاء عند أناسٍ تجحد النعما
يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت . . . . كيف ارتضيتِ خصيماً ظالماً حكما
بالمِدفع استشهدي إن كنت ناطقةً . . . . أو رُمْتِ أن تسمعي من يشتكي الصمما
سلي الحوادثَ والتأريخَ هل عرفا . . . . حقا ورأياً بغير القوةِ احتُرما
لا تطلُبي من يد الجبار مرحمةً . . . . ضعي على هامةٍ جبارةٍ قدما
فيا فِلَسْطينُ إن نَعْدمْكِ زاهرةً . . . . فلستِ أولَّ حقٍ غيلةً هُضِما
هزّت رزاياكِ أوتاراً لناهضةٍ . . . . في الشرق فاهتَجْنَ منها الشجوَ لا النغما
ثار الشبابُ ومن مثلُ الشباب إذا . . . . ريعَ الحمى وشُواظُ الغَيْرَةِ احتدما
يأبى دمٌ سنّي في عروقِهِمُ . . . . أنْ يُصبِحَ السنّي الحرُّ مهتضما
لا يأبهون بإرهابٍ إذا احتدَموا . . . . ولا بِمَصْرَعِهِمْ إن دينهم سَلِما
هاجت العَبْرَةُ فطافت العِبْرَةُ . . ودوى في سمعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأمتي: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
. . فاعتبروا يا أولي الأبصار!!