أوراق مبعثرة من يوميات ثورة
يقول لي الشاب في مكتب السفر: مدام.. اجري بيتك لسنة وضلي هنيك.. الكل عم يروح.
يقول لي صديق مغترب: بيعي بيتك وتعي لعنا.. مو احسن ما تموتي من القصف او القنص؟
وأقول لهما: اؤجر؟؟.. أبيع؟؟.. وأهرب؟
أين أذهب بذكرياتي وتذكاراتي؟!
أرحل؟.. ولمن نترك دمشق؟!
لمن أترك أزهاري وأشجاري، وقطي الشامي النائم عند طرف سريري؟
مغروسة هي جذوري في شامي التي أعشق، والعصابة لا جذور لها..
سترحل العصابة وأبقى أنا..
حية فوق أرض دمشق العشق.. أزرع وأرى وأشم وأقطف، وأنتظر عودة الأحباب ولم الشمل, أو ميتة تحت ثرى دمشق العشق.
السافلة رغدة "فنانة" الطغاة ورفيقة دريد لحام في "الوطنية" تقول: أنا أعلن انضمامي للجيش العربي السوري.. ممكن اعمل اي شي.. امسح صباط جندي.. صير الو خدامة!!
اي فعلاً ،ما بتستاهلي أكتر من هيك يا حقيرة..
والغريب أنها عرفت قيمتها وحدها.. مع احترامي لكل من يزاول مهنة شريفة لا علاقة لها بجند الأسد!
***
على صفحتي الفيسبوكية وصلتني ذات يوم رسالة يطلب فيها أحد الأصدقاء هناك رقم جوالي!
اعتذرت منه، وقلت له أنني لولا الثورة لما فتحت هذه الصفحة..
أنني هنا للكتابة والقراءة فيما قد ينفع ثورتنا، لا كي أتبادل أرقام الهواتف مع أحد، وأنني أظن انه في عمر أولادي وأنا في عمر أمه!
جاءتني منه رسالة غاضبة يقول فيها أنه ليس مهتماً بعمري ولا برقم هاتفي وأن الرسالة جاءت بالخطأ وهو يحاول فتح الفيس بوك لأول مرة من جوّاله!
رددت عليه أن لا داعي لكل هذا الغضب؛ لكنه بردّه ذاك كان قد أغضبني؛ فقلت له أنني سأقوم بحظر صفحته منعاً لتكرار الخطأ.
كان ذلك اليوم هو "عيد الأم"، وأنا في عيد الأم، ومع أنني أم، لا عيد لي ولا فرحة، بل حزن وبكاء!
راجع الشاب نفسه وردّ: منشان الله سامحيني.. اليوم عيد الام ومو قصدي زعلك.. ابوس ايدك.. ما بدي ياك تزعلي مني..انا طالع عالموت ويمكن ما ارجع!
ومن يومها صار الشاب المجاهد ابني الافتراضي..
ابني الذي انضم أخيه قبله للجيش الحر؛ فنسف الجيش بيته وقتل أمه وأبيه وأخته الصغيرة.
قال لي الشاب الجامعي الذي كان يمارس مهنة من أشرف المهن، أنه لم يكن يقتل نملة من قبل، لكن عصابة الحقد أجبرته على حمل السلاح.
قال لي: امانه عليك ادعيلنا: يا رب ان خرجوا في سبيلك فثبت اقدامهم وان خرجوا رياء الناس فشتت شملهم ومزقهم واستبدل قوم غيره يقولون يا غارة الله جدي السير مسرعة يا غارة الله جدي السير مسرعة.
حماك الله أيها الجيش الحر؛ فالمنتسبون إليك من أمثال ابني هذا، هم من يشبهون صحابة النبي..
لا اولئك المجرمين الذين تشدّق البوطي بذكرهم، قبل أن يقتله النظام الباغي الذي عاش يدافع عنه.
***
الآن، ولأن السوريين صاروا عند جيرانهم، أقصد "أخوتهم"، في الأردن نازحين.. عفواً: أقصد "ضيوف".
تذكر اولئك الذين "كانوا" من التجارة معنا يعتاشون، أنهم يريدون شراء بيوت، وأنهم يريدون أن يتزوجوا !
واكتشفوا أن الهاربين إليهم من بطش العصابة، ولأن خلفياتهم الإجرامية، حسب أحد المسؤولين، غير معروفة.. صاروا يسرقون منهم الرغيف والوظيفة!
***
بيتي بين الحيين
من الشرق يدوّي انفجار لم تألفه أذناي من قبل.
من الغرب يتصل أحد معارفي ليطمئن أني بخير..
وأعرف أن وسيلة القتل والتدمير كانت صاروخاً.
جاء دورك يا أحياء دمشق.
جاء دورك يا مدينتي كي تنالي من العصابة حصتك من صواريخ أرض أرض!
أريد النوم، فيطير من عينيّ اليوم.
وكيف أنام، وقد اشتعلت في الحي المجاور الحرائق؟
أدور في البيت أقرأ آية الكرسي وأدعو: يا رب احمي الناس من بطش القتلة.
ينهمر المطر غزيراً، وأقول حمداً لله.
يتوقف المطر وتعاود العصابة فعل الغدر.
يمزّق السكون دوي انفجار آخر..
ويا لك من ليلة، أيتها الليلة!
