الثقافة في الزمن الرديء
طلب مني أحد الأقارب المكوث في محله حتى يذهب لقضاء بعض أموره الملحة.
جلست اتأمل المعروضات تارة وهموم الدنيا تارة أخرى حين دخل عليّ رجل صبوح الوجه، أنيق الهندام، لطيف الكلام، عارضاً عليّ بعض مؤلفاته للبيع وتعللت وقتئذ بأني لا أملك الفكة اللازمة فذهب الرجل خالي الوفاض.
رحت أفكر بهذا الرجل المثقف الذي اضطرته ظروف الزمن الرديء لمحاولة بيع بعض مؤلفاته القيّمة بدينار واحد فقط لا غير لكل كتيب سطر بكل كلمة معاناته الفكرية (والمادية) وتمنيت لو أني كنت اشتريت بعض كتبه من حيث محبتي (ولا أقول تحببي ) للثقافة وأهلها الذين أرغب بالانتماء اليهم رغم تفاوت درجة تكافؤي مع أمثالهم. ولكن الحقيقة (المرة) هي أنني لم أكن أحوز وقتئذ على سيولة في جيبي، فتعللت بأزمة الفكة.
هذه الحقائق (المخجلة) كانت الدافع الرئيسي لتساؤلي الملح: ما الذي حدث لهذه الدنيا ليضطر أحد مثقفيها لتبخيس قيمة مؤلفاته والعزم على بيعها بدينار واحد فقط لا غير لكل كتيب ؟؟؟
هل هو سوء الحال الذي دفع بهذا المثقف للتجوال عبر المعمورة متقمصاً شخصية بائع، أم هو تدني
مستوى الثقافة وعزوف الناس عن القراءة والمطالعة مما عطل بيع مؤلفاته في المكتبات المحترمة ?
لا أعلم ولكنني على يقين بأنني لم أسمع أبداً بأن أحد المثقفين قد مات ثرياً باستثناء أمير الشعراء أحمد شوقي !؟
سُئل موسيقار الأجيال، المرحوم محمد عبد الوهاب عن سبب حبه الجم للمال فقال بما معناه:
"أفضل الموت ثرياً في الغربة على أن أعيش فقيراً في بلدي".
وألعرب قالت:
"أليسر في ألغربة وطن، وألعسر في ألوطن غربة.