ممارسة الديمقراطية واثرها على الاستراتيجية الامنية
تجول باذهاننا تساؤلات كثيرة منها: هل تؤثر حالة احتدام النقاش والحراكات والتظاهرات والتداعيات والتحديات وحال المخاض التي تعيشها البلاد ، والصراعات المجاورة ،على استراتيجية الامن الوطني الاردني ، الذي يشمل عناصر الامن بكاملها ،والتي تتضمن الامن السياسي والامن الاقتصادي والامن الاجتماعي والامن العسكري والامن الفكري وغيره، الذي يجب ان تساهم في ارسائه وحمايته جميع القوى الوطنية على السواء ، امام الله وامام الوطن ؛ اذ تبرز هذه الترتيبات كدور فاعل في تحقيق الاستراتيجية الامنية ، والتي تعني فن استخدام المتاح لتحقيق الاهداف ، انه مهما بلغت الاجراءات العسكرية او الامنية السياسية او الاقتصادية التي تطبق على المستوى الوطني فانه يجب ان تندرج هذه الاجراءات في نطاق المصلحة الوطنية ، ان نجاح الاستراتيجية الامنية يتطلب وجود الاجهزة المستعدة والفاعلة والقادرة على القيام بتنفيذ هذه الاستراتيجية المهمة ، وكذلك استنفار الموارد المتاحة اللازمة لذلك ، والعنصر البشري المتأهب والمؤهل للتعامل مع هذه الاستراتيجية بجميع ايجابياتها وسلبياتها ، كما تتطلب وجود اجهزة التنسيق بين المؤسسات والسياسات حتى لا يحدث تضارب في تنفيذ الاستراتيجية ؛ فلذلك يجب الاتفاق على مصادر التهديد والخطر ، وتحديد حجمه وبواعثه ، وهو ما يعتبر الاساس في وضع اي استراتيجية امنية ناجحة ، مع وضع الاولويات من مرحلة إلى مرحلة اخرى في حال تغيير الظروف .
وبناء عليه، فان على الاستراتيجية الامنية الاردنية ان تعتمد امضى سلاح من اسلحة العصر الحديث الذي هو سلاح الديمقراطية والقوة الناعمة والكلمة الحرة ، فهو العامل المساعد المهم في تحريك عملية الاصلاح السياسي وملحقاتها ، وان تأخذ باعتبارها عند تطورها محاور الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة والتركيبة المجتمعية ، والامن الوطني والقومي، وان تأخذ بالحسبان في تطبيق الديمقراطية خصائص النظم الديمقراطية ،
بافتراض وجود برلمان يتمتع بالقدرة والقوة،وهيئة تنفيذية مسؤولة امام البرلمان ، وانتخابات نزيهة يتنافس فيها مرشحون قادرون قياديون ، وسلطة قضائية مستقلة بشكل تام.
ان الديمقراطية مبادىء تتمثل في الحرية والمساواة والعدل، وهي قيم التسامح والحوار والتنوع والتعددية ، كما تتمثل الديمقراطية في آليات من بينها نظام انتخابي سليم ؛ يضمن للفرد المشاركة في صنع القرار ومراقبته ، والتصويت واعتماد قرار الاغلبية، وحماية مصالح الاقليات ،والتعددية السياسية ، والديمقراطية هي ضمانات دستورية تقر مبدأ سيادة الامة وكونها مصدر السلطات جميعا ،وصاحبة الولاية على نفسها، وانفصال الدولة عن اشخاص الحاكمين ،وضمان حقوق الانسان ، والعدالة وتكافل الفرص وسيادة القانون ، والمساواة امامه وانصافه وعدله وضمانه؛ للتوازن بين المصالح المتعارضة ، وامتثال السلطة للقانون ومسؤوليتها امام ممثلي الامة ومساءلتها والرقابة عليها، وفصل السلطات مع تعاونها ، وان تراعى قضايا حقوق الانسان. ومما لا يدعو مجالا للشك انه تحقق في الاونة الاخيرة تقدم في توسيع نطاق الحقوق السياسية ، فقد وسعت الحكومة بالتدريج دائرة اصحاب الحق في الانتخابات ،وذلك بجعل الحقوق السياسية تشمل جميع ابناء الاردن من شتى المنابت والاصول، وفي شتى الاماكن والبقاع.
وفي مجال الامن ، لا بد ان يؤخذ بالحسبان بان الامن السياسي يعني تطبيق الديمقراطية وتطبيعها بحيث يؤخذ في تطبيقها مبدأ التدرج في تنفيذ مراحلها، كما يجب ان يكون فهم الشعب الاردني للديمقراطية هو الاساس ؛ حتى يمكن للدولة ان تتحكم في التطورات السياسية ؛ فالديمقراطية هي نظام حياة يجب ان يدرس ويثقف في جميع مجالات الحياة الاسرية والمدرسية والجامعية، وفي كل مناحي الحياة الاخرى ، فكثير من الدول تجاهلت هذا المبدأ وتحولت إلى الديمقراطية بمعناها الغربي مرة واحدة فانتهت.
وفي مجال اصلاح الامن السياسي لا بد من تطوير قانون الانتخابات لبلورة وافراز مجلس نيابي قوي فعال مطور، تكون قضايا الوطن همه الاول وشغله الشاغل،لا مجلس اعمال شخصية ونفعية وخدمية ومحسوبيات ، كما لا بد من اعتبار قوانين الاحزاب والتعددية وتلك القوانين المتعلقة بالحريات قوانين مفصلية ومداخل اساسية للاصلاح السياسي.
وفي مجال الامن الاقتصادي يتأتى توفير تشريعات موحدة ضمن اطار معين في هذا المجال وتطويرها للحفاظ على الحقوق والمكتسبات ،ووضع استراتيجية اجرائية للنهوض بالفعاليات الاقتصادية ومعالجة شاملة لمشكلتي البطالة والفقر ومحاربة الفساد والمفسدين والمحسوبية في المؤسسات العامة والخاصة ، وتوزيع مكاسب التنمية على المواطنين بعدالة ودعم قطاعات التحول الصناعي والزراعي والخدمي والافادة من الخبرات والكفاءات الاردنية وتنشيط السياحة وتوطين الاستثمار.....
وفي المجال الاجتماعي يتأتى تربية ابناء المجتمع الاردني في الاسرة وفي المؤسسات التعليمية بمراحلها كافة على ممارسة قيم الحق والحرية والعدالة والالتزام بالنظام والقانون والاخلاق السامية والتسلح بثقافة الديموقراطية وتعويدهم على ممارسة التعددية السياسية والعمل على تنمية المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لارساء وترسيخ القيم الاجتماعية والدينية عن طريق الاعلام الموجه والمدروس ،والعمل على صياغة سياسة مجتمعية اردنية واحدة باتجاه العنف والارهاب كيفما كان وحيثما حل، للحد منه وافشال خططه، وتنمية الارادة والمعنوية في المجتمع الاردني من خلال التعامل بالديمقراطية حتى يصبح المواطن الاردني مواطنا مشاركا للدولة في تحمل المسؤولية وليس عبئا عليها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ان بناء الاستراتيجية في مجال الامن والدفاع له الاولوية القصوى والخاصة في اذهان وعقول القيادة الرشيدة ،فهموم السياسة وهموم الامن متداخلة ومتشابكة، ولكن الرقعة التي يحتلها الهم الامني اكبر بكثير من الهموم الاخرى، ولا شك ان امن الاردن واستراتيجيته الامنية مرتبطة باستراتيجية الامن الدفاع الجماعي العربي؛ اما على صعيد الامن الداخلي فقد عملت القيادة العليا وتعمل على توفير كافة الاحتياجات والمستلزمات والخطط، وتعرف يقينا ان تحقيق الاستقرار للمجتمع، وبث الطمأنينة في نفوس ابنائه ،والحفاظ على النظام وسيادة القانون ،وتأمين الجبهة الداخلية للوطن ضد اي اخطار اجتماعية او صحية او تخريبية من اهم العوامل التي تؤدي إلى توفير الامن الداخلي واستتبابه، هذا الذي يعتبر الركيزة الاساسية للامن الوطني بكل ابعاده ،فهو الضمان الرئيسي لتحقيق التقدم والازدهار وبلوغ الاهداف والغايات الوطنية والقومية.
ان وضع نظرية امنية ضرورة قصوى للشعوب التي تريد الدفاع عن نفسها وتحمي ارضها من الاعتداءات وبقاءها محترمة ، نظرية تسير على هديها في ترتيب برامجها العسكرية والمخابراتية والاستخبارية والمجتمعية والاقتصادية ، ان نظرية الامن حيوية لانها تشكل الاسس لمختلف الاجراءات والكبرياء الوطني، واذا كان لاي دولة ان تطور قدراتها الدفاعية في مختلف مجالات الحياة فلا بد من وجود منطلقات نظرية تستند اليها.
وفي ضوء ما سبق يبقى التساؤل المطروح سابقا معلقا بانتظار وضع حلول ضمن استراتيجية وطنية اساسية للامن الوطني في ظل مخاض الديمقراطية والتعددية السياسية والحراكات والتحريكات المشبوهة.