فضائح و روائح !
لا عجب ، ولا غرابة ، ولا مفاجآت أبدا في كل ما تحمله وتنشره وسائل الإعلام المختلفة من أخبار وتقارير عن السلطة العبثية القابعة في مدينة رام الله خلف أسوار ما بات يعرف بالمقاطعة التي يتوسطها مكتب " الرئاسة " الفلسطينية وما يتبعه من مكاتب لمسؤوليها وكبار مستشاريها من الذين يعكفون ليل نهار على وضع الخطط والسياسات الهادفة إلى حماية فساد هذه السلطة ، وعبثها ، وكل ما ينبثق عنها من مهازل يكاد يندى لها الجبين ، ولكن ماذا عسانا أن نكتب عن هذه الشرذمة التي لا جبين لها ولا حياء عندها فيما اضحت تقول أو تفعل .
عقدين من عمر هذه السلطة ولا رابط بين محطاتها الزمنية سوى الفضائح التي لا يخرج عنها ولا يفوح منها إلا كل ما هو عفن وكريهه ، روائح تزكم الأنوف مما قد يجعل حاسة الشم تستسلم وتنهار أمامها ، عقدين من الزمن لم يخجل عبرها فريق هذه السلطة من فعل كل الموبقات وتجاوز كل المحرمات الوطنية ، هذا هو تاريخهم المخزي ، ومن لديه شك فليراجع مسلكهم منذ أن بصموا طائعين على إتفاق العار المسمى بأوسلو مع عدونا لاصهيوني وحتى وقتنا الراهن .
هم ليسوا سوى حفنة من المارقين الذين تسلقوا على أجساد الشهداء ودماءهم الطاهرة بعد أن إغتصبوا وسرقوا القرار الوطني لقضية هذا الشعب وثورته التي نقلوها من طريق ومسار النضال إلى أزقة التفاوض والسلام مع عدو لا يعرف سوى لغة القوة والقتل والإجرام ، وراحوا على إثر ذلك يوهمون الشعب بأن الصلح معه ممكن ، وأن الدولة والإستقلال والحرية كلها آتية على درب الإنبطاح المذل عند أقدام هذا العدو الغاصب والسارق لتراب الوطن الفلسطيني .
لن نطيل الحديث على هذا الصعيد ، فكل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد أصبح مفهوما ومستوعبا عند كل الأحرار والشرفاء من أبناء شعبنا ، لكن الفضيحة الأخيرة تستحق منا أن نتوقف عندها لنسلط المزيد من الأضواء على ملفها ، وعلى ما بداخله من روائح جديدة للفساد الذي يعشعش في أوكار هذه السلطة ودهاليزها السوداء ، فالحديث الفاضح اليوم يدور حول ديون مالية مترتبة على سلطة رام الله مقدارها أربعة مليارات دولار ، وهذا يعني أن شعبنا يحمل على ظهره عبئا ثقيلا تسببت به سلطته التي كانت تدعي كذباً بأن الأموال التي تنثرها هنا وهناك هي وحكومات سلام فياض المتعاقبة هي من أموال الدول المانحة والصديقة وليست ديونا تكبل أيدي الشعب وتكسر العمود الفقري لإدارته الوطنية .
هنا تكتمل قيود التنكيل ومحاولات حرف هذا الشعب عن درب المقاومة والمواجهة الوطنية مع عدوه ، وهنا يتضح أكثر فأكثر ذلك الدور المشبوه الذي وجدت هذه السلطة من أجل تنفيذه ، فاليوم تتلاقى وتتقاطع الأغلال الثلاثة ، السياسية والأمنية والإقتصادية ، فهذه السلطة التي إنطلقت بالأساس من خيانة وفراغ سياسي وإستهتار بالثوابت والقيم ، إنتقلت بعدها لمارسة دورها الأمني القمعي بحق كل ما هو وطني وهذا ما أعدت له أجهزة أمنية فاق تعدادها الستون ألفا من زعران دايتون ، وها هي اليوم تعترف وتقر بهذه الديون التي إستدانتها من بنوك ومؤسسات مالية أجنبية ومن وراء ظهر هذا الشعب الصامد والصابر .
الخلاف بين الرئيس عباس ورئيس وزراءه فياض على بعض الصلاحيات هو الذي أماط اللثام كاشفاً عن هذه الفضيحة الكارثة ، والتي يجب أن تسبب صدمة قوية عند هذا الشعب الذي جرجروه إلى مستنقع الوظائف والرواتب التي جعلوا منها سيفا مسلطا على الرقاب ، إن أمراً كهذا يستدعي المسارعة إلى وقف الرئيس ورئيس وزراءه عن العمل ، والتحرز عليهما حتى يتم التحقيق العادل والمستقل في ملف أزمة هذه الديون وكيف تراكمت دون معرفة الشعب الفلسطيني أو حتى إستشارته وذلك كخطوة أولية ضرورية على طريق كشف الحقيقة .
إن التصدي لهذه الكارثة ، ووقف تدحرجها ، يستدعي من كل القوى الوطنية أن تلتقي فوراً على هدف رحيل وحل هذه السلطة التي أقدمت على هذا الإقتراض وهي تعلم علم اليقين بأنها غير قادرة على السداد ، وبعد أن أدمنت مهنة التسول الذليل من جهات الكون الأربعة ، لتصل في نهاية المطاف إلى إهلاك شعبها وتحطيم مؤسساته المالية الوطنية ، فهذا الشعب هوالمتضرر الأول والأخير من هذا الفساد الذي خرج عن كل حدود وتصورات المنطق .
عندما سبق وقلنا بأن هذه ليست سلطة وطنية قائمة لغايات وأغراض تتعلق بمصالح شعبنا الوطنية إنهالت علينا سهام الإتهام ، ولذلك وبعد فضيحة المليارات الأربعة – الرقم مرشح للزيادة – فإننا نؤكد على أن هذه السلطة ما هي إلا شركة للرئيس عباس وشركاؤه ، وها هي اليوم تعلن قاصدة عن إفلاسها وعجزها المالي تاركةً لهذا الشعب المغلوب على امره ولأجياله القادمة أعباء التحمل ، وحتى لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم لأنهم سيكونوا معرضين ومطالبين ببيع كل ما بحوزتهم لسداد الديون والقروض التي أغرقهم فيها سلام فياض ، بياض " المشاريع " كما هو معروف عند القاصي والداني من أبناء شعبنا وأحراره .
لم يعد مقبولاً تعليق عجزنا وعيوبنا على ظهر شماعة العروبة والإسلام ، فالعيب والعجز فينا ، وعلينا أن نعترف بذلك وكما يقول المثل : " فإن فرعون لم يكن ليتفرعن لو وجد من يرده أو يتصدى له " ، فهذه هي مصائب هذه السلطة التي كان البعض يخرج ليرقص ويغني لها في ساحة مقاطعتها ، وهذه هي أفعالها التي لم تجلب لشبعنا إلا المزيد من الهجران و الإبتعاد عن ممارسة دوره الوطني والمقاوم لعدوه الصهيوني ، إنها حقا فضائح ، وكل عطور الدنيا لو إجتمعت لن تزيل روائحها العفنة ، لكننا سنظل مؤمنين بأن الأمل معقود على إمكانيات شعبنا ، وعلى دور وواجبات قواه الوطنية حتى ينزاح هذا الكابوس السلطوي فشمس الثورة لا بد لها من أن تشرق من جديد .