الاستراتيجية الوطنية لقطاع الصناعة في ظل ارتفاع الاسعار
ان الاردن كغيره من دول العالم يجتاز هذه الايام مرحلة دقيقة من عدم الاستقرار والتغيرات المتسارعة وسط اوضاع اقليمية وعالمية صعبة احرجت اقتصاده القومي وصناعته النامية , مما استوجب بالتالي التوجه نحو تطوير الذات وتخفيف التبعية وزيادة التنافسية والتهيؤ لمواجهة العولمة والانفتاح وشح المواد بما فيها الطاقة والمياه ضمن اطار استراتيجي شامل يأخذ بعين الاعتبار الغايات والاولويات والامكانات المعرفية واختيار الادوات والتقنيات المناسبة في كل حالة.
ولعل ان من اهم التحديات التي تواجه الصناعة حاليا هي الاسعار وخاصة اسعار النفط التي ارتفعت من 23 دولار للبرميل قبل ازمة العراق الى 120 دولار للبرميل حاليا علما بان الاردن يستهلك 5,36 مليون برميل سنويا اي ان الزيادة في سعر البرميل الواحد دولار واحد يكلف الاردن سنويا 5,36 مليون دولار .
لقد حقق الاقتصاد الوطني بشكل عام خلال عام 2007 اداء جيدا على الرغم من التحديات التي واجهها واهمها الارتفاع الحاد في اسعار النفط والمواد الغذائية في الاسواق الدولية وما تبع ذلك من تضخم وارتفاع في اسعار كل السلع والخدمات .
ومما هو معروف ان الضعف في قطاع الصناعة عموما اذا حصل فانه يقود الى ازدهار قطاع الخدمات الاستهلاكي غير الانتاجي الذي يشكل قطاع الحكومة جزءا كبيرا منه بنسبة 56% من الناتج المحلي الاجمالي كما وان ضعف الصناعة يضعف الصادرات الوطنية لانه يشكل معظمها وبالتالي الميزان التجاري وميزان الخدمات .
ومن جهة اخرى فمن المعروف ان استمرار تصاعد اسعار النفط وانعكاساته على اسعار مدخلات الانتاج والمواد الاولية والرئيسية الاخرى حسب تذبذبات الاسواق واسعار الاستيراد يؤدي الى تراجع تنافسية الاستثمار والمناخ الاستثماري الذي يتمتع به الاردن والى تراجع التدفقات الاستثمارية الى المملكة, كما انه يؤذي الاقتصاد وخاصة قطاعات الصناعة والزراعة والانشاءات ويحد من تنافسيتها وفرص تسويقها محليا وفي اسواق الدول المجاورة التي يرتبط معها الاردن باتفاقيات تجارية وحرة ويذهب بتنافسيتها امام السلع الاجنبية , وقد يؤدي ذلك الى اغلاقها في الوقت لاذي تعمل فيه دول اخرى الى تعزيز تنافسية بيئتها الاستثمارية واستقطاب رؤوس الاموال الاجنبية.
ومن الامثلة على مثل هذه المستلزمات المحروقات للصناعة والاسمدة الفوسفاتية للزراعة والاسمنت والحديد لصناعة البناء والاغذية الرئيسية للمواطن مثل السكر والرز والخبز والبيض والدواجن واللحوم .
وعليه فيتوجب العمل على تثبيت الاسعار لهذه السلع الاستراتيجية ولو بداية لمدة عام تحت التجربة والمراقبة وتحت طائلة العقاب للمخالفين حفاظا على المنافسة .
ويتكرر عام التثبيت هذا في حال النجاح وعلى ان تتحمل الحكومة في البداية دعم اية زيادات قد تحصل على اسعار الاستيراد خلال عام التجربة عن طريق تقديم المنح للشراء الاستراتيجي من قبل الشركات المتضررة وتقديم القروض الحسنة والميسرة للانتاج المحلي وقد تكون هذه المنح او القروض دولية او عربية في جزء منها او كلها . او بالعمل على التنزيل التعويضي للضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على هذه السلع والشركات مقابل الزيادة التي تتحملها بنفس القيمة اي بالعمل على اعادة النظر في الوعاء الضريبي المفروض على القطاعات وخاصة القطاع الصناعي الذي يعاني اكثر من غيره من هذا الارتفاع .
كما ويجدر حفز القطاع المصرفي لتوفير التسهيلات بالاسعار المناسبة للمشاريع والقطاعات الاستثمارية الاستراتيجية والتصدي للتحديات الخاصة التي تواجه قطاعات الانتاج وكذلك قطاع العقار بتخفيض اسعار الاراضي وتثبيت اسعارها التي ارتفعت بشكل خيالي مما يصعّب شراؤها وخاصة للصناعة والزراعة .
كما ويتوجب ايضا عقد ورشات عمل يشارك فيها القطاع الخاص بجميع شرائحة واللجان الاقتصادية في مجلس الامة والمجتمع المدني والجمعيات الاقتصادية وعلى ان تتم المناقشات بشفافية ومسؤولية بهدف جذب الاستثمار وتحفيز البيئة الاستثمارية ووقايتها من ارتفاع اسعار المحروقات وغيرها المتصاعدة دوما .
ولدعم جهود الحكومة وخزينتها في هذا المجال يجدر تشكيل شركة عملاقة مشتركة بين القطاعين العام والخاص تتولى التعاقد على شراء الاحتياجات الاستراتيجية لفترات طويلة ومن ثم بيعها بالتدريج حسب الحاجة للمواطن والمستثمر باسعار ثابتة مثل النفط والحبوب والاسمدة والحديد والمواد الغذائية الاخرى لمدة عام واحد بالبداية او حسب صلاحية المواد المخزنة ومن ثم مضاعفة مدة العام التجريبي للتثبيت حسب النجاح في التطبيق .
د. المهندس اكرم كرمول