اتركونا وشأننا
كنا ننتظر الترياق من العراق فأصبحنا نرسل إلى العراقيين «فاليوم» لتهدئة أعصابهم، وتوقعنا النصر من مصر فبتنا نخشى القهر والفقر والفشر، والآن هناك «برشامة فيمين» للدفاع عن المرأة العربية.
«فيمين» جمعية تنتصر لحقوق المرأة أسستها إيلينا شفتشنكو في أوكرانيا سنة 2008، ولا بد من أنّ بين القراء مَنْ سمع عن آخر نشاط لها أو رأى شيئاً منه على التلفزيون، ورأى ناشطات أوروبيات شرقيات عاريات الصدور ينصبن كميناً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو برفقة المستشارة أنجيلا ميركل في هانوفر.
أعتذر عن جهلي، فأنا فلاح -عقلاً لا عملاً- من العالم الثالث، ولا أفهم كيف تحقِّق تعرية الصدور حقوق المرأة في أي بلد.
ربما ما كنت أثرت الموضوع، خصوصاً أن بوتين بدا سعيداً برؤية الشابة شبه العارية، لولا أن «فيمين» نظمت حملة عالمية في الرابع من هذا الشهر في عواصم أوروبية وحول العالم حتى أميركا الجنوبية، كان شعارها «اليوم العالمي لجهاد تعرية الصدور»، ولا تزال أصداؤها تتردد في كل بلد.
هن يبحثن عن عذر للتعري، وانتصارهن المزعوم للمرأة العربية وحقوقها يؤذي كثيراً ولا يفيد شيئاً. ولاحظت في الأيام التي تلت يوم العري، أن نساء عربيات ومسلمات من حول العالم انتقدن نشاط «فيمين» وهاجمن النساء اللواتي عرّين صدورهن وسجلن إدانات صريحة لهذا العمل.
«فيمين» أطلقت نشاطها هذا في الرابع من الشهر الجاري، لأنه يوافق عيد ميلاد أمينة تايلر، الشابة التونسية التي نشرت في الشهر السابق على موقعها في «فايسبوك» صورة لها عارية الصدر، وقالت إن جسدها ملكها.
غير أن أمينة نفسها انتقدت عمل النساء الغربيات بعد أن ذهبت ثلاث منهن، فرنسيتان وتونسية، عشية يوم التعري إلى الجامع الكبير في باريس وأحرقن علم الإسلام أمامه، مع أنه يحمل شعار «لا إله إلا الله محمد رسول الله». أمينة قالت إن هذا العمل إهانة للإسلام والمسلمين، ودانته إدانة كاملة.
وقرأت في جريدة «هفنغتون بوست» الإلكترونية رداً مفحماً من صافية أحمد، وهي شابة مسلمة تدرس العلاقات الدولية في جامعة برمنغهام، فهي قالت إنها وبنات مسلمات مثلها يرين في تكتيكات «فيمين» مشروع «حرب أيديولوجية بين عناصر نيوكولونيالية جديدة في الغرب وبين المجتمعات المسلمة، وهدفهم ليس تحريرنا من العبودية المزعومة، وإنما إيجاد تأييد للحرب المستمرة على البلدان الإسلامية».
عندما قامت إيلينا شفتشنكو بالرد على انتقادات النساء المسلمات الحملة، لم تفعل سوى إثبات التهمة على «فيمين». هي خاطبت النساء المسلمات زاعمة أنها تفضل الحديث معهن لإدراكها أن وراء كل امرأة مسلمة رجل ملتحٍ يحمل سكيناً (هكذا حرفياً). وهي أضافت أن النساء المسلمات يقلن إنهن ضد نشاط «فيمين» إلا أن منظمتها معهن، وأشارت إلى رجال يصلّون، والمرأة المسلمة زوجة خامسة (هكذا قالت، «خامسة» وليس رابعة)، وإلى آباء وإخوة وأزواج يغتصبون ويقتلون...
هذا الكلام استعمار جديد قد يأخذ شكل احتلال بلد مسلم لأسباب ملفقة عمداً، كما رأينا في العراق، وقد يأخذ شكل الاعتداء على مقدسات المسلمين وقيم وتقاليد أسرية وأخلاق موروثة.
الجرائم التي تتحدث عنها الآنسة الأوكرانية موجودة في كل بلد حول العالم، وهي ليست أكثر في أي بلد إسلامي. وعندي مثلان:
- وزراء خارجية مجموعة الدول الكبرى الثماني رعوا الأسبوع الماضي مبادرة منع العنف الجنسي، بعد أن زار وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ والممثلة أنجيلينا جولي مخيمات اللاجئين في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
- في الوقت نفسه تقريباً، أصدر صندوق حماية الطفولة تقريراً يقول إن العنف الجنسي في مناطق الحرب يستهدف الأطفال، وتحدث التقرير تحديداً عن كولومبيا وليبيريا وجمهورية الكونغو الديموقراطية.
المرأة السورية تعاني في مخيمات اللاجئين، وقد سمعنا أخباراً مرعبة عنها، وقبل كل حرب وبعدها تظل المرأة العربية والمسلمة منقوصة الحقوق، والجهاد لحماية المرأة والطفل واجب، وأراه الجهاد الأكبر، أو جهاد النفس، إلا أن هذا حتماً لن يتحقق عن طريق أوكرانية أو روسية تعرّي صدرها في عاصمة أوروبية، وإنما بأيدينا نحن، وفي بلادنا. ( الحياة اللندنية )
