الاقتصاد غير الرسمي: احذروا "التخبيص"

تنتهي اليوم في عمان ورشة عمل اقليمية بإشراف أربعة أطراف محلية ودولية، حول القطاع الاقتصادي "غير الرسمي". ولمن يريد تعريفاً سريعاً، فهذا المفهوم يشير الى قطاع التوظيف الذاتي، حيث يخلق العامل فرصة عمله بنفسه بعيداً عن كل من القطاعين الرسميين المسجّلين (العام والخاص). وقد حصلت أمس على الدراسة الرئيسية المقدمة الى الورشة عن حالة الأردن، وهي من منشورات برنامج الأمم المتحدة UNDP ولكن مؤلفها غير معروف.
وقد يتساءل القارئ عن سبب "تدخلي" في هذا الأمر، لذا أرجو ان يسمح لي بالإشارة أن "القطاع غير الرسمي" هو عنوان رسالة الماجستير التي أعددتها قبل 15 عاماً في قسم الأنثروبولوجيا (علم الانسان)، ولا زلت أتابع الظاهرة لليوم باعتبارها واحدة من الاستراتيجيات الذاتية عند الفقراء لمكافحة فقرهم.
من المرجح أن دراسة المنظمة الدولية تلك، ستشكل أساساً للموقف من القطاع غير الرسمي في البلد. لقد قرأتها كاملة واضطررت خلال ذلك للطم وجهي (بحثياً) عشرات المرات. إن مواصلة القراءة تحتاج الى عصر "ليمونة ذهنية" فوق كل صفحة.
لدي كم كبير من الملاحظات، لكن هذا المكان غير مناسب، لأن الانصاف يتطلب مني أن أستعرض المحتوى قبل توجيه الملاحظة وهذا غير ممكن هنا، ولهذا اكتفي بأفكار سريعة:
من حيث الشكل، رغم أناقة النشرة، إلا أنها، كما يبدو، لم تعد لغاية القراءة الفعلية! ومن الواضح أن النص بكامله مترجم الى العربية، ولكنها ترجمة غاية في الرداءة، ومن المرجح أنها لم تتم من قبل شخص مطلع على لغة التخصص، أو ربما ترجمت من قبل مُطّلع لكنه مستهتر، كما انها بحاجة لمحرر لغوي لضبط الصياغات التي جاءت بدائية للغاية، هذا فضلاً عن العديد من الأخطاء المطبعية.
من حيث المضمون، هناك "خطايا" منهجية كبرى. ورغم سرد العديد من التعريفات ضمن فصل "مراجعة الأدبيات"، لكنه جاء سرداً "كئيباً" يخلو من الفائدة العلمية، ولكن الأدهى أن الدراسة عند التطبيق على الأردن، ابتعدت عن التعريفات المناسبة للحالة الاقتصادية الاجتماعية الأردنية، واختارت تعريفاً فضفاضاً انتقائياً جعلها تخرج بنتائج ونسب وأرقام غير مفيدة على فهم الظاهرة في بلدنا، ثم ختمت بتوصيات "لا تنموية" بل معادية للتنمية، وخاصة من خلال تبينها فكرة مليئة بالوهم التنموي سبق تجريبها، تقول بتحويل القطاع غير الرسمي الى رسمي. إن المحاولات السابقة في هذا المجال التي جرت في الأردن بالذات، كانت لها آثار مدمرة على المجتمعات المحلية النشيطة تاريخياً في ميدان القطاع غير الرسمي.
الموضوع مهم، وهناك الكثير من الكلام. وفيما يتصل بالقطاع غير الرسمي "الفقير"، كان من المفترض أن يتركز اهتمام المهتمين على البناء على استراتيجيات الفقراء الذاتية في مواجهة فقرهم، او على الأقل الالتقاء معها في منتصف الطريق، لا العمل على تدميرها، بوعي او بلا وعي. لقد "تحايل" الفقراء على نتائج فشل العمية التنموية ككل، وبادروا الى خلق فرصهم الذاتية، ومن غير المعقول أن نعاقبهم على ذلك.
أخيراً، إن ما يدفع الى الاطمئنان، أن العاملين في هذا القطاع، لديهم من المرونة والذكاء "المهني" الفطري، بما يكفي لامتصاص أية خطة معادية.. تلك هي واحدة من الخصائص الدفينة الكامنة في هذا القطاع.