التسامي فوق الجراح
إن مراقبة أداء الحكومات المتعاقبة منذ سنوات على هذا الوطن وما يصدر عنها من بيانات وقرارات وبيان نيل الثقة وما يتضمنه من طموحات وآمال تبقى حبرا على ورق لا يتحقق منها شيء، وما تحاول أن تغرينا به هذه الحكومات من أنها تعمل جاهدة لخدمة الوطن وأبنائه، إنما هو ذر الرماد في العيون كما يقولون ، فما نكاد نخرج من معضلة ، حتى نسقط في أسوأ منها، وإن كثرة الأزمات التي تحدق بنا ونحاول آن نبتعد عنها إلا وتصب علينا أزمات اكبر منها ، قد تكون الحكومة هي من يصبها علينا ، كرفع الأسعار والتلويح برفع ورفع ورفع....ورفع ,وكأن جيب المواطن هو بترول لا ينضب لسد فشل العقوبات المتعاقبة ولتخفيف الدين العام الذي أصبح لا يطاق.وبرغم الرفع والنهب من جيب المواطن فإننا لم نلاحظ أي انخفاض أو نقص للمديونية ، بل ما نلمسه هو زيادة الدين وكثرة الاقتراض من البنوك المحلي والبنك الدولي ، لا بارك الله فيه ،وكثيرا ما نحاول التسامي فوق الهم والغم الذي تستمطره علينا الحكومات العابرة إلا وتمتعنا وتتحفنا بغم وهم اكبر من سابقه ، ويبقى المواطن المسكين في دوامة لا تتوقف أو تنتهي .
إن الحكومات في دول العالم المتقدم والمحترمة لنفسها وشعبها ، إذا ما عجزت وفشلت عن تحقيق ما وعدت به تقدم استقالتها وتترك المكان وتفسح الطريق لمن يقدر على محاولة رأب الصدع لا تكبيره ، لكن حكوماتنا المتعاقبة تزداد حصانة ومناعة ووقاية وغرورا وتباهيا على هذا الشعب المنكوب.أعتقد أن الحكومة غير جادة في الإصلاح ولكأني بها تستمري الأزمات وتحب خلقها والتنكيد علينا كمواطنين
فأين هي من أطنان الأغذية الفاسدة ، التي لم يحاسب احد لمن أدخلها للوطن ، وخير مثال شحنة القمح الأخيرة التي ثبتت بعدم صلاحيتها وبقدرة قادر تحولت من أنها على خير ما يرام وتصلح للاستهلاك الآدمي وهي عكس ذلك فكيف يتم ذلك ""؟؟ وهذا مثال وهناك أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى بشأن الغذاء الفاسد.أما التنمية والمشاريع التي يتبجحون بها فلقد انعدمت بل ضعفت ووهنت ، فهل تريدون من الشعب تصديقكم ، وما المشاريع التي تصاب بالخواء إلا بكثرة سرقاتكم وفسادكم وتوقفها لهو دليل بعدم جديتكم لإنعاش الوطن بل هو في الواقع إنعاش جيوبكم .
وأما الأموال المنهوبة والمسلوبة والمهدرة والمستباحة فمن يستردها ويسترجعها لخزينة الدولة الخاوية؟؟
والفساد الإداري المستشري وما تتحدث عنه تقارير الشفافية العالمية من أنه وصل حدا لا يطاق والحكومة تنفي وتنكر ذلك، فمتى متى سيتم حله"؟؟والفكاك منه ؟ وكذلك الوحدة الوطنية التي أصابها الخلل في ظل هذا الوضع البائس ، وما تقوم به بعض الجهات وتذكي نيرانه ، إن استمر الأمر فإنه ينبئ بما لا تحمد عقباه ويقودنا للهاوية ، فعليكم يا رعاكم الله الحرص على سلامة الوطن وأهله.وإنا ما يقوم به دولته من توزيع صكوك الغفران على مناطق من المملكة لهو الأمر المستهجن وغير الحصيف ممن يدعي بأنه صاحب الولاية وصاحب راية الإصلاح وحامل بيارق النصر. فكيف بك تتهم وتحاول أن تنزع الولاء من الآخرين باعتقادك؟؟ويرجعون تحت عصا طاعتك.
أما النواب الذين لا يهمهم المواطن بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية ، وما المنصب الذي وصلوه إلا سلما للوصول لمآربهم التي يريدونها، أما كان من الأجدر بكم يا نواب الأمة حماية البلد وتطبيق القانون والعمل على إيجاد حلول لمصلحة الوطن ، وعدم الموافقة على قرارات الحكومة الجائرة والمجحفة بحق أبناء الوطن؟ فاتقوا الله وليكن لكم صوت تسمعون به من كان به صمم، وليكن رأيكم وخياركم الوقوف لمصلحة الوطن والشعب.لا استغلال مناصبكم لمشاريعكم ومصالحكم أعمالكم الشخصية ولتكن الثقة حقيقة وليست مصلحة وتمرير مآرب وحكلي تحكلك""".
إن حب الوطن في نهاية المطاف قد يكون لدى البعض رصيد كرصيد البنك يزيد وينقص، وقد يرتفع ويهبط، ويقل ويكثر، والمواطن الذي يحب وطنه، لن يكون بمنأى من أن يكره الوطن إن رأى الوطن قد جلده بسياط الظلم والفقر والضياع والتشرد، ويرى غيره متنعما بما سرق ونهب ، ولم يحاسب فلا تجعلوا الوطن يضن علينا ويجور ، لأن الوطن ليس مجرد بقعة جغرافية محددة، الوطن في الحقيقة حياة طيبة كريمة وتكافئ في الفرص بين أبنائه ، وعدالة وقانون مطبق على الجميع،. وأخشى أن رصيد حب الوطن قد نقص كثيراً في هذه الأيام، فعليكم يا أصحاب الشأن بشحن القلوب بالمحبة وبالعمل على وضع القوانين التي تعمل على احترام القانون، وإعادة الثقة بالمؤسسات البرلمانية والحكومية والأمنية، لكي ينتعش رصيد حب الوطن، فلا تحرمونا من وطننا، ونحن نعيش فيه .
وفي النهاية أببن هذه الواقعة فلعل فيها ما يعبر عن حالنا وواقعنا :فقد يغلب المظهر أحياناً على المضمون فتخيب فراسة الرائي وتتحطم على أسوار المظهر والهندام والهيئة فلا تجعلونا نغتر بمظاهركم ويضيع الأمل بالنجاة .وذلك ما حصل مع أبي حنيفة النعمان الأمام الأعظم الذي ملأ الأرض علماً وفتوى . ولكن خابت منه الفراسة لأجل المظهر رغم قوة فراسته ودقة ملاحظته وشدة ذكائه التي لا تقارن مع أحد من معاصريه. كان العالم الجليل يجلس مع تلامذته في المسجد . وكان يمد رجليه بسبب آلام في الركبة قد أصابته . وقد كان قد استأذن طلابه أن يمد رجليه لأجل ذلك العذر . وبينما هو يعطي الدرس مادّاً قدميه الى الأمام. إذ جاء إلى المجلس رجل عليه أمارات الوقار والحشمة . فقد كان يلبس ملابس بيضاء نظيفة ذو لحية كثة عظيمة فجلس بين تلامذة الإمام . فما كان من أبي حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما وتربع تربع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور وقد كان يعطي درساً عن دخول وقت صلاة الفجر.
وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام وكان الشيخ الوقور أو ضيف الحلقة يراقبهم وينظر إليهم من طرف خفي. فقال لأبي حنيفة دون سابق استئذان: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني. فشعر أبو حنيفة أنه أمام مسؤول رباني ذو علم واسع واطلاع عظيم فقال له : تفضل واسأل فقال الرجل : أجبني أن كنت عالما يُتَّكل عليه في الفتوى ، متى يفطر الصائم ؟. ظن أبا حنيفة أن السؤال فيه مكيدة معينة أو نكتة عميقة لا يدركها علم أبي حنيفة . فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس.فقال الرجل بعد إجابة أبي حنيفة ووجهه ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة وكأنه وجد على أبي حنيفة حجة بالغة وممسكاً محرجاً:وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يُفطر الصائم ؟ وبعد أن تكشّف الأمر وظهر ما في الصدور وبان ما وراء اللباس الوقور قال أبو حنيفة قولته المشهورة التي ذهبت مثلاً وقد كُتِبَتْ في طيات مجلدات السِّيَر بماء الذهب : آن الآن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.