عنف الشباب ...مسؤولية جماعية مشتركة
ظل الحرم الجامعي الاردني حاضنة العلم والثقافة والآداب ، والاخلاق الحميدة السامية، والقيم الرفيعة النبيلة ، وظل الحاضن الرؤوم يرعى مرحلة التنشئة والتربية ، بعد المرحلة المدرسية ، ويصقل شخصيات الشباب، والتعويل عليهم، وتهيئتهم لقيادة المجتمعات وتفعيلها والنهوض بها ، وسادت القيم والاخلاق والمبادىء التي رسختها العقيدة الاسلامية السمحة ، فكانت جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية إلى وقت قريب ، قبيل هذا الزمن الرديء ، منارة يهتدى بها ويفتخر بمنتسبيها وخريجيها ومدرسيها ...الى ان جاء هذا الزمن السيء الذكر، الذي حمل الينا اخلاقا غير اخلاقنا ، وقيما دخيلة مستوردة غير قيمنا ، فيما يسمى بقيم السوق (البدون اخلاق) ، والمجتمع العالمي المفتوح (البدون قيم) ؛ فانقلب هرم القيم لدى شبابنا حتى كاد ان يتردى في مستنقع اخلاق الجاهلية الاولى، او يرتد إلى سفهها وعنجهيتها ؛ حيث كانت تسود اخلاق الحمق والتهور والسفه والاندفاع في غير تريث ولا تفكير، فكان الجاهلي والحالة هذه يثور لاتفه الاسباب، ويشعل نار حرب القبيلة اذا توهم اساءة او ظن ظنا اوحدث خطأ من احد افراد القبيلة الاخرى، دون تريث او تحري للحقيقة ، فيفقد السيطرة على العقل، وينأى بنفسه عن السلوك الحكيم، فتنفلت النفس الشريرة من عقالها ، وتلحق بهواها وشيطانها إلى المهالك والفانيات والسلب والنهب ، مع ان العربي في الجاهلية كان - كما يشهد شعره ونثره - هو صاحب الحلم وسيد الاخلاق وصفاء النفس ،وصدق العاطفة وعظيم الاحساس والمشاعر ، وصاحب النخوة والكرم والمروءة.. . إلى نحو ذلك ، فهل كان شعره صادقا ؟!!!....
لقد جاء الاسلام بتعاليمه السمحة واخلاقه المثلى، وابدلنا خيرا من ذلك بالايمان والتقوى، والقيم السامية والخلق الرفيع ، وقد عاب اسلامنا العظيم بعض القيم التي ورثناها وسادت فينا وازمنت ، وتأصلت بين ظهرانينا ، كالتفاخر بالاحساب والانساب... فقال صلى الله عليه وسلم ( اربع في امتي من امر الجاهلية لا يتركونهن ، الفخر بالاحساب ، والطعن في الانساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ) وقال صلوات الله عليه وسلامه لابي ذر لما عير رجلا بامه( انك امرؤ فيك جاهلية ) ثم قال عليه الصلاة والسلام (دعوها فانها منتنة) يعني العصبية والعنصرية والتفاخر بالقبيلة والاحساب والانساب.
علينا تجاه هذا العنف الذي يجتاح جامعاتنا، اولا : ان لا نلوم الشباب والجامعات كل اللوم ، وان كان عليهم منه الشيء الكثير ، وانما اقول ان ما يحدث هو مسؤولية جماعية مشتركة ، اسرية مجتمعية بكل ما في مجتمعنا من مؤسسات تربوية وتعليمية ، مدرسية وجامعية ، ومؤسسات ثقافية واعلامية وشبابية ، وتنظيمات سياسية وحزبية وشعبية ، ومؤسسات دينية وجمعيات اخلاقية، فكلها مسؤولة ولكل دوره.
فالاسرة ، وهي المكون الرئيس الاول للمجتمع ونواته الصلبة ، عليها مهام ومسؤوليات جسام ، كتقوية روابطها الاسرية والابوية وشد اواصرها الانتمائية، وتدعيم كيانها لتقوم بدورها في غرس القيم الايجابية (تؤازرها في ذلك المدرسة والجامعة كمؤسسات تربوية- تعليمية ) كالتضامن والتكافل الاجتماعي والمشاركة الوجدانية، وتدعيم القيم الاجتماعية وممارستها من خلال بناء الصداقات السليمة، والتفاعل الاجتماعي البناء ، واذكاء روح الفريق ، وتنمية المواطنة الصالحة، بتوضيح قيمة المحافظة على الممتلكات العامة ، والحفاظ على كيان الوطن والعمل لصالحه، والدفاع عنه وعن كل ما يتعلق بمصالحه، وتنمية قيم التنافس في العمل النافع للمجتمع والناس، ودعم اساليب التنشئة السوية التي تقوم على حب الاخرين، وتقبلهم، والمساواة والعدالة، مع التركيز على عدم اهمال رعاية وتوجيه الابناء والطلبة باستمرار وكلما كان ذلك مناسبا ؛ مهما كانت شواغل الاباء والمربين ومسؤولياتهم سواء اثناء التدريس او خارجه ، واشباع حاجات الطلبة في الحب والانتماء والتواد والامان ، المرغوبة اجتماعيا ، وتشجيعهم على الانتصار على الحياة والذات ، والتاكيد على المبادىء الانسانية ، وضرورة التمسك بها مهما كان الثمن ، فدور الاسرة في غرس منظومة القيم الاخلاق والاتجاهات المرغوبة ورعايتها والتثبت منها بممارستها ومزاولتها بالمشاركة مع المدرسة والمربين والتأكد من رسوخها هو الاساس.
اما المؤسسات الشبابية الاجتماعية كالنوادي والمعسكرات والمخيمات التدريبية والكشفية ،فعليها تقديم النماذج الريادية في الانتماء والمشاركة ، والاحساس بالمسؤولية الاجتماعية ،والتحدث للشباب بلغته في ضوء الواقع الاجتماعي الحقيقي ، واتاحة فرص المشاركة الجادة في تنمية المجتمع من خلال معسكرات العمل والخدمة العامة، وتأكيد روح الفريق والانتماء للمجتمع، ومناقشة قضايا الواقع الاجتماعي بصدق وواقعية ومنطقية مع الشباب، ودفع الشباب على اختلاف انتماءاتهم السياسية للالتفاف حول مشروع قومي معين ، وحول القضايا القومية، واستخدام الحوار الهادف مع الشباب، والبعد عن اسلوب فرض الوصاية على افكارهم، وتوجيه طاقاتهم وافكارهم للبناء والتعمير، ومحاربة وسوسات الهدم والتدمير في صدورهم، واجتذاب الشباب واستقطابهم نحو المؤسسات الشرعية والوطنية ،وجعلها منبرا حرا يعبر من خلالها الشباب عن ذواتهم .
واما المؤسسات الثقافية والاعلامية، كالصحف بانواعها ومحططات التلفزة الفضائية والمنتديات المتنوعة، فعليها تأصيل التراث الثقافي للمجتمع وابراز عظمته والتنقيب عن النماذج القدوة في تاريخنا ،وتقديمها كنماذج للشباب للاحتذاء بها، والتأكيد على العادات والتقاليد الاصيلة لمجتمعنا، ودفع الشباب للتمسك بها وان تتحول المنابر الاعلامية المختلفة إلى اصوات صدق وحق ومصارحة بحقائق الواقع الاجتماعي ،وان تعبر هذه المنابر عن طموحات الشباب وامالهم ومناقشة مشكلاتهم، وان تتيح لهم فرصا للتعبير عما يعتقدون، مهما تباينت توجهاتهم ، وان تسهم في تأكيد وعي الشباب بقضايا مجتمعه، وان تبرز القيم الاجتماعية وتجسدها ،وان تعرض بطولات وتضحيات الشعب الاردني وكفاحه في سبيل مبادئه وقضاياه، وان تعرض الواقع الاجتماعي بحقائقه بلغة مفهومة دون مبالغة او تقليل.
اما المؤسسات الدينية فعليها عرض المعلومات والمعارف الدينية بشكل منطقي جذاب ،والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،وتأكيد الاعتقاد الديني عن طريق الفهم والمنطق والتسليم لله، وتقديم النموذج الحي للسلوك القويم ،وترسيخ منظومة القيم الدينية والخلقية وجعلها موجهات للسلوك الانساني، والبعد عن الاساليب العقيمة في الوعظ والارشاد، واعطاء نماذج من سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والائمة تؤكد الاخاء والمساواة والتكافل والتضامن الاجتماعي ، والدعوة لمحاربة الفساد والمنكرات، واتباع اسلوب الحوار مع الشباب، وتنقية الفكر الديني لديهم، واتباع النهج الديني واحياء دور المسجد في تربية النشء في كل مظاهر الحياة ،والصدق في الراي والعزيمة في الدفاع عنه، طالما يقره الشرع ويؤكده اشاعة الجو الديني في كل مظاهر الحياة ، وتأكيد الغيرية والايجابية ،ومحاربة الانانية والسلبية وتنمية الوازع الديني والضمير الاخلاقي لدى الشباب.