العراق .. ودعناه .. أم استقال؟؟

بعد عشر سنوات من احتلال العراق والوعد بديمقراطية تحسده عليها اثينا التي ابتكرت مصطلح الديمقراطية تحققت بالفعل ديمقراطية من طراز عجيب لا تنطبق عليها كل المواصفات التقليدية والحديثة والديمقراطية، انها ديمقراطية الدم وعدالة الموت بالتساوي، فما من يوم يمر على العراق الا وتغرب شمسه على عشرات الجنائز، فالاطياف عندما تتحول الى طوائف تنقلب المعادلة، وبالتالي تنتصر الهويات الصغرى والفرعية على الهوية الام، وبدلا من أن يتكامل البلد يتآكل والمتوالية ماضية نحو نهايات يصعب على اي مشتغل في علم المستقبليات ان يتنبأ بها.
وحين قلنا في هذه الزاوية الحرجة قبل عقدين ان العراق جرى اخراجه من العراق لم نكن نكتب شعرا او نفرط في التشاؤم فالعبارة التي تنسب الى الجنرال شوارتكسوف والذي قد يظن بعض العرب اللامبالين انه نوع من الشامبو كان لها دلالات عصية على استيعاب من لا يرون ابعد من انوفهم ومن يعيشون باستراتيجية المتسول من وجبة الى وجبة، قال الجنرال ان العراق سيعاد الى القرن التاسع عشر، وظن البعض ان تدمير البنية التحتية واظلام العراق بعد ان اتى القصف على محطات الكهرباء، ان العودة الى القرن التاسع عشر هي بهذا المعنى، والحقيقة ابعد من ذلك بكثير. فالعراق منذ ربع قرن يحصي ايامه واعوامه بالحروب والحصار والاحتلال، بحيث عطلت طاقاته، واصبح ثلث ابنائه في المهاجر وهذا البلد العريق الرائد لمعظم الفنون والاداب وفن العمارة.
تلك هي حرية رامسفيلد وشوارتسكوف ورايس وسائر السلالة التي ما ان تحل بارض حتى تحول اخضرها الى هشيم، لانها اصدرت طبعة جديدة ومنقحة من امبريالية اقسى من كل سابقاتها.
لقد حصد الاحتلال وما صاحبه من افرازات من العراقيين اكثر مما حصدت الكوليرا عام 1947، رغم ان الوباء السياسي الجديد لا سبيل الى علاجه او التلقيح من عدواه في ظروف اقليمية ودولية كالتي نعيشها. واسقاط او تفكيك الحواضر العربية واحدة بعد الاخرى ليس وليد اليوم او البارحة وليس صحيحا ان الاستبداد هو ذريعته فمنذ نهاية السبعينات من القرن الماضي نشرت تقارير وتبعتها تصريحات حول مستقبل التضاريس السياسية للعالم العربي وما كان وولفويتس ومن بعده برنانرد لويس واخيرا برنارد ليفي ينطقون عن الهوى.
اما العربي ضحية الفصول كلها وليس واحدا منها فقط، فان قدره على ما يبدو ان يراوح بين الرمضاء والنار وبين الاستبداد والاستعباد ويليهما الاستعمار بصيغ تليق بهذه الحقبة التي غيرت اسماء الاشياء فاطلقت مصطلح التحرير على الاحتلال السافر، اما الحرية فهي بأن نختار كعرب بين الفرانكفوني والانجلوساكسوني وان نختار ايضا الاشكال الاكثر ملائمة من الخوازيق!!
فهل ودع العرب عراقهم ام هو الذي استقال؟؟ ( الدستور )