روايات مروعة لناجين من مجزرة الصنمين
المدينة نيوز - : اختصر الشاب زاهر اللباد جزءا من المشاهد المروعة لمجزرة الصنمين بريف درعا التي كتب له أنه ينجو منها، قائلا "كنت أنظر من ثقب الباب حين شاهدت جنديا يدوس الطفل عماد الشحادات (11 عاما) ويذبحه ذبح الشاة، بينما كان الطفل يصرخ: مشان الله يا عمو لا تذبحني".
110 من أهالي الحارة القبلية بالصنمين قضوا في المجزرة المروعة قبل نحو أسبوعين بعدما اقتحمتها قوات كبيرة من الأمن والجيش، ومعظم الضحايا كانوا من الأطفال والنساء والشيوخ، فضلا عن عشرات الجرحى وبعضهم إصاباتهم خطيرة، بينما اعتبر 51 شخصا من المفقودين.
كما دفعت المجزرة غالبية أهالي الصنمين الذين يقدر عددهم بنحو 27 ألفا -يضاف إليهم قرابة خمسين ألف لاجئ- للهروب إلى قرى مجاورة أو إلى الأردن، وكانوا قد قصدوا البلدة لتمتعها بنوع من الأمن النسبي، كما أنها تمثل نموذجا للتعايش السوري.
في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية زارت الجزيرة نت أربعة من الناجين من المجزرة المروعة، رواياتهم كشفت هول ما شاهدوه، أو ما وصفه أحدهم بأنه "الموت أكثر من مرة".
زاهر اللباد الذي يعاني إصابات في قدمه اليمنى وظهره بعدما أصيب بست رصاصات رشاش شلت حركته، وظل يعاني إلى أن كتب الله له مع عدد من بعض جرحى المجزرة الوصول إلى الأردن للعلاج.
يقول زاهر "بدأ الهجوم على الحارة القبلية الساعة 5.20 فجر يوم 11 أبريل/نيسان الجاري، وفوجئنا بحصار محكم.. بدأ الأمر بإطلاق رصاص كثيف وقصف لمدة ثلاث ساعات، وبعدها بدأ الاقتحام".
ويتابع "كان واضحا أن الهجوم يستهدف ثلاث عائلات فقط في الصنمين هي اللباد والشحادات وشتار، وحتى الآن لا نعرف سبب الهجوم والمجزرة لكون الصنمين لا يوجد فيها أي احتكاكات، وهذا ما دفع نحو 50 ألف لاجئ للنزوح إليها".
يصف زاهر ما شاهده خلال ساعات المجزرة "بأنه لا يمكن تصديقه"، وروى للجزيرة نت بعضها منها.
قال "كنت أنظر من ثقب باب أحد البيوت التي كنت أتوارى فيها، عندما شاهدت جنودا يقتلون رجلين من عائلة الشحادات، ثم جاؤوا بالطفل عماد ووضعه أحد الجنود تحت قدمه، وكان يحمل سكّينة طويلة أشبه بالسيف، وقام بذبح الطفل رغم صراخه: مشان الله يا عمو لا تذبحني".
وزاد "كنت شاهدا على قتل الحاج محمود شتار (64 عاما) الذي كان يحث الشباب على الاستعداد للتصدي للجيش الأسدي، حيث قتلوه بالرصاص ثم أخذوا جثته ورموها في بيته وأحرقوا البيت بمن فيه".
روى زاهر كيف تمكن بمساعدة بعض الأهالي من الاختباء في أحد المنازل حيث ظل ينزف من إصابته قرابة ست ساعات، إلى أن انسحبت قوات الجيش والأمن لينقل إلى قرية مجاورة مكث فيها ثلاثة أيام، إلى أن بدأت رحلة نقله إلى الأردن والتي يصفها برحلة "العمر الجديد".
روايات أخرى لا تقل بشاعة رواها الشاب محمد اللباد الذي يعالج من إصابة برصاص متفجر في الفخذ، إذ تحدث عن محاولته إسعاف أكثر من حالة دون جدوى، وبدا أنه ما زال تحت الصدمة لهول ما شاهد.
يقول محمد "كان هناك شبان من الجيش الحر حضروا من خارج الصنمين يحاولون التصدي لقوات الجيش دون جدوى".
وعن أصعب مشاهداته قال "لا يمكن أن أنسى مشهد عائلة من بيت العتمة حاولت الهروب باتجاه كفر شمس، لكن قذيفة دبابة استهدفتها ليسقط 11 من أفرادها رجالا ونساء وأطفالا قتلى.. لم ينج منهم أحد".
ويضيف "كان هناك ستة من أبناء عائلة نصار قتلوا جميعا بالرصاص وهم يسلكون طريقا إلى خارج الحارة".
أكثر المشاهد المروعة التي رواها محمد واتفق معه بقية الناجين، حديثهم عن أن الجنود كانوا يقتلون بالرصاص كل من يجدونه أمامهم من الرجال والشبان والفتيان ويحرقون جثثهم، حيث وجدت أغلب الجثث محروقة، فضلا عن حمل الجنود سواطير وسكاكين طويلة قال إنها كانت مخصصة للعزل.
كما قال إنه "سمع بعض المهاجمين يتحدثون بلغة غير عربية لم يفهمها"، وذكر أن بعض الناجين من المجزرة أخبروه بأن هذه اللغة فارسية وأن بعض الجنود إيرانيون.
وكان لافتا ممن قابلناهم الشاب أحمد المهيميد (23 عاما) الذي بتر صاروخ ذراعه اليسرى.
كان أحمد طوال وجودنا في غرفة علاجه مع أصدقائه يصرخ من شدة الألم، فقد أجريت له عملية جراحية قبل ساعات، وقال للجزيرة نت وهو يتألم "كنت أسعف الجرجى عندما استهدفني صاروخ حراري أفقدني ذراعي في لحظات".
وتابع وهو لا يكاد يقوى على الحديث "قطعت ذراعي ولم أستفق إلا وأنا أنقل إلى مكان لم أعرفه، ثم عرفت أنني في مستشفى بقرية مجاورة، ومنذ أيام نقلت إلى الأردن".
تحدثت أم أحمد التي كانت ترافقه باستغراب عما حدث لبلدتهم، وقالت "لم يكن هناك أي شيء يبرر المجزرة التي جرت، وظهر كذب النظام عندما قال لي أحد أقاربي أنهم يروجون أن ابني خبير ألغام".
بدا أن الشبان يستعجلون العلاج للعودة إلى بلدتهم وتأكيدهم أن من لم يحمل السلاح سيحمله الآن، لكن أحمد الذي فقد إحدى ذراعيه كان الأكثر حماسا، وقال "أنا لسه عندي يد.. والله سأرجع وأحمل السلاح حتى إعدام بشار".
" الجزيرة "