القضاء متهم

شكا المصريون من سوء الوضع الاقتصادي أيام حسني مبارك فازداد سوءاً بعد أن وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم على ظهر شباب الثورة ومواقع التواصل الاجتماعي. وشكوا من زحام السير وزاد سوءاً بدوره. ولم يشك المصريون من الأمن فأصبحت الشكوى مئة كل يوم. والآن هناك القضاء.
خاض قضاة مصر معارك مع نظام مبارك، واليوم يخوضون حرباً مع الجماعة. وكنت كتبت في هذه الزاوية أيام مبارك أن النظام، أي نظام، لا يستطيع أن يقول للقضاة إنهم أخطأوا، فعملهم أن يقرروا ما هو صواب وما هو خطأ، أو ما يسمح به القانون وما يمنع.
الرئيس محمد مرسي بحث في أزمة السلطة القضائية مع مجلس القضاء الأعلى بحضور النائب العام إبراهيم عبدالله، مع أن هذا جزء من الأزمة فقد اختاره النظام مقدماً الولاء على الكفاءة، ومخالفاً القانون وفق قرار مجلس القضاء الأعلى نفسه. والرئيس يستعمل مجلس الشورى حيث للإخوان غالبية ضد القضاء مع أن القضاء أعلن عدم دستورية قانون مجلس الشورى ويريد حله، وهناك جلسة قضائية عن الموضوع في 12 من الشهر القادم.
سبب محاولة الجماعة القضاء على القضاء واضح، فالرئيس مرسي لا يصدر قراراً حتى يفتي القضاة في اليوم التالي بعدم قانونيته، وهناك انتخابات برلمانية قادمة ولا يريد الرئيس أن يقرر القضاء مرة أخرى عدم شرعية البرلمان المنتخب على قياس الجماعة.
يبقى الاقتصاد أهم القضايا وقرأت كلاماً مخيفاً نسب إلى مسؤولين في صندوق النقد الدولي بعد أسبوعين من الاجتماعات في القاهرة للحصول على قرض من الصندوق بمبلغ 4.8 بليون دولار. باختصار، مصادر الصندوق زعمت أن أجور القطاع العام في الموازنة القادمة حتى 30/6/2014 زادت 80 في المئة منذ 2011. النظام في مصر، سواء كان لمبارك أو للإخوان، يعجز عن دفع مرتبات 2011 فمن أين يأتي بزيادة تكاد تكون مساوية للأجور القديمة؟
بالإضافة إلى قرض الصندوق الدولي، وأراه سيزيد الأزمة الاقتصادية سوءاً بما يفرض من شروط على الحكومة المصرية، نقرأ أن قطر وليبيا تعهدتا بتقديم خمسة بلايين دولار لمصر، والمبلغ ليس هبة كله، وإنما بعضه قروض أو ودائع إلى اجل معلوم. كذلك وعدت تركيا بأن تحول إلى مصر بليون دولار أو بليونين التزمت بهما. وطبعاً هناك المساعدة الاقتصادية الأميركية، أو الرشوة، لتبقى مصر في معاهدة السلام مع إسرائيل.
هل قدر مصر أن تعيش على حساب «الأجاويد»؟ ومن يضمن أن تستمر الدول المانحة في تحويل البلايين إلى مصر؟ ليبيا وقطر لا تتصرفان من مصلحة خاصة كالولايات المتحدة، غير انهما لا تستطيعان إعانة مصر إلى الأبد. رحم الله زمناً كان العربي المحتاج يذهب إلى مصر لتساعده، والآن أصبحت مصر بحاجة إلى من يساعدها.
الوضع مؤلم فأتوقف لأحكي للقارئ قصة ذات علاقة. جلست يوماً ضمن مجموعة من المسؤولين والأصدقاء مع الرئيس حسني مبارك في جلسة خاصة على هامش مؤتمر الديموقراطية والإصلاح في مكتبة الإسكندرية. وحكى الرئيس لنا أن رئيس وزراء تركيا (لم أعد أذكر اسمه) زاره، وخلال الحديث بينهما شكا الضيف التركي من أن موظفي الدولة في بلاده يبلغون حوالى 600 ألف، وقال كيف يمكن أن يضع موازنة ويحكم بلداً فيه هذا العدد الهائل من موظفي الحكومة. قال الرئيس مبارك إنه سكت، إلا أن رئيس الوزراء التركي سأله: كم عدد الموظفين عندكم؟ قال الرئيس مبارك لنا انه لم يحب أن «يفجع» ضيفه ويقول أن موظفي الميري في مصر ستة ملايين، فاكتفى بالقول: زي كده، أي حوالى 600 ألف كما في تركيا.
اكرر أن الوضع مؤلم وأتوقف مرة ثانية حتى لا أزيد على ألم القارئ وأبحث عن تلك الإبرة الخرافية في كومة القش، وأزعم أن الحريات زادت منذ الثورة، والميديا تقول ما تريد. غير أنني أقرأ كل يوم تصريحات لقيادات إخوانية تهاجم نجوم وتهدد الميديا وتعدها بدفع ثمن «وقاحتها». وأعرف أن الهدف من تطويع القضاء أو تمزيقه قمع الميديا الحرة معه.
ربما كان القارئ أمهر مني في العثور على إبرة وسط القش، فأرجو أن أسمع رأيه . ( الحياة اللندنية )