الزعيم سجينا في مسقطه

تم نشره الخميس 25 نيسان / أبريل 2013 03:20 صباحاً
الزعيم سجينا في مسقطه
سمير عطا الله

ذكرت الصحف أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يمضي الوقت في الصلاة والإبحار في الإنترنت. ويخبرني بعض الأصدقاء أن الرجل يقابل الناس، ويؤانسهم، وليس قليل الكلام، بعكس ما كان عليه أيام قصر قرطاج، حيث كانت طباع رئيس الشرطة تغلب على ما هو متوقع من رئيس الدولة.

فالرجل قضم حريات التونسيين لكنه لم يقضم يومياتهم، ولا ظهر في عهده الصامت شيء يسمى «جهاد المناكحة» الذي استنكره مفتي تونس، وقال إنه ليس أكثر من تجارة أجساد ساقطة. لا أدري ما الكتب التي يقرأها الرئيس بن علي، لكن ثمة كتابا واجب القراءة هو «مذكرات والي المنستير»، محمد الحبيب براهم، عن السنوات الصغيرة من حياة الحبيب بورقيبة في إقامته الجبرية.

يقول براهم إن «الزعيم» كان ممنوعا من الخروج أو التجول إلا في حديقة الدار. في الظاهر، كان السبب هو الحرص، وفي الباطن كان السبب هو الحصار. كل شيء كان محدودا: الزيارات، الاستقبالات، والنزهات. لكن ذات يوم يحصل والي المنستير من الرئاسة على إذن للزعيم بالقيام بجولة في مسقط رأسه. مسقط رأس الصبي الفقير الذي قاد تونس إلى الاستقلال. وإذ يتذكر سنوات النضال، يقول الوالي: «لست هينا يا بني، لقد هزمت فرنسا، تعلمت السباحة في هذه المياه».

وإذ يهل فصل الربيع ويخرج إلى الحديقة، يقول الوالي للزعيم: «إنه الربيع سيدي الرئيس، فالطقس ممتاز والحياة زاخرة»، لكن الزعيم يقاطعه: «مناخ المنستير دائما هكذا؛ شمس وبحر وطبيعة جميلة». وذات يوم يرسل إليه بن علي باقة من الزهر في أحد أعياد ميلاده الطويلة. يطلب من الوالي أن يقرأ عليه البطاقة المرفقة، فيذكر أنها موقّعة باسم «ابنكم» فلان. فيشير الحبيب إلى الحبيب بورقيبة الابن، ويقول في زفرة: «هذا هو ابني. هذا هو ابني».

كان الحبيب الابن هو الابن الوحيد من الزوجة الأولى التي يروي الزعيم حكايتها هكذا: «باريس والبرد اللادع وحكمة الأقدار. باردة باريس. أرتعش كلما تذكرت صقيعها، وثمة ليلة لن أنسى بردها؛ فأنا أقطن غرفة في الطابق الأخير ليس فيها تدفئة وبخسة الإيجار. لم أستطع النوم. تقلبت، تكومت، لملمت نفسي وكدت أتجمد. تيبست عروقي فخرجت هاربا وطرقت باب الشقة التي تحت، وقلت لهم: أنا الحبيب بورقيبة ابن علي بورقيبة أمين الفلاحة في المنستير، وألتمس البقاء عندكم للدفء. رحبوا بي. وكانت تلك أسرة ماتيلد التي سوف تصبح زوجتي؛ مفيدة بورقيبة».

المشهد الأكثر درامية في الكتاب عندما يتطلع بورقيبة بالوالي وهما يحضران برنامجا تلفزيونيا، ويسأله: «هل أشعرك سفيرنا في باريس بموعد وصول وسيلة إلى مطار منستير؟»، صمت قليلا ثم أردف: «لقد أخبرني سي الهادي المبروك أن فترة علاجها قد انتهت، وأنا في انتظارها». لم يجب الوالي. فالمبروك لم يعد سفيرا منذ زمن، ووسيلة بن عمار مطلقة الزعيم منذ سنوات. لكن بورقيبة ألح في الذهاب إلى المطار. وبعد أيام بُلّغت تونس وفاة الوسيلة، حبه الأكبر. ( الشرق الأوسط )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات