إضاءة على الخارطة الحزبية في تونس
الحرية - في ما يشبه الوضع النموذجي، انقسمت القوى السياسية في تونس، وتحت تأثير نتائج الانتخابات التشريعية في البلاد في 23/10/2011 إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية: يمين، وسط، ويسار، دون أن يعني أن هذه الاتجاهات اتخذت، حتى الآن، صيغتها النهائية، وأنها غير مرشحة لتبدلات قد ينتقل بعضها من اليمين إلى الوسط، في تحالفات قد تفرضها الانتخابات التشريعية القادمة، أو حتى الانتقال من الوسط إلى اليسار، تلبية لدعوة عامة لبناء ما يسمى بالجبهة الوطنية الديمقراطية، لمجابهة اليمين واحتمال عودته إلى السلطة في الانتخابات القادمة.
■ اليمين يتمثل بحركة النهضة برئاسة الشيخ راشد الغنوشي، صاحبة الأغلبية في المجلس الوطني التأسيس. وهي التي تمسك بمقاليد الحكومة في ظل نظام برلماني، الملاحظ أن النهضة، كي تحافظ على موقعها كأغلبية في المجلس التأسيسي، تحالفت مع حزبين يقدمان نفسيهما باعتبارهما يسار الوسط، وهما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر. هذا التحالف، وقع بين الأطراف الثلاثة يعيد انتخابات 2011، وبموجبه توزع الأطراف الثلاثة المناصب الرئاسية الأولى في البلاد، وإن كانت تتمايز فيما بينها بمدى نفوذ كل منصب، ولصالح رئاسة الحكومة بالطبع. لذلك بدا مستهجناً من قبل قوى الوسط واليسار، مثل هذا التحالف، وثمة من يؤكد أنه لو وقع تحالف معاكس، انضم إليه المرزوقي وبن جعفر، لقطع الطريق على النهضة إلى الحكومة و لاضطرت لأن تجلس في مقاعد المعارضة.
هذا التحالف الثلاثي، كما يصفه أصحابه، خاصة المقربين من المرزوقي وبن جعفر، لن بشكل لائحة انتخابية ثلاثية في الانتخابات القادمة، بل من المتوقع أن يخوض كل طرف معركته بمعزل عن الطرف الآخر، وهذا، برأي المراقبين، ما قد يفتح الباب لتحالفات جديدة يجد فيها المرزوقي أو بن جعفرنفسيهما في جبهة مواجهة مع حلفاء الأمس، أي مع النهضة. فمصادر الرئيس المرزوقي لا تكتم رغبته في تحقيق نتائج تمكنه من أن يحتل هو، رئاسة الحكومة، بعد ما بينت له تجربة الرئاسة المؤقتة أنها منصب مهمش، يتحمل مسؤولية الوضع في البلاد دون صلاحيات تمكنه من الفعل والتأثير.
■ يشكل العمود الفقري لجبهة الوسط حزب نداء تونس، برئاسة أحد كبار المسؤولين في عهد بورقيبة، ورئيس الحكومة الانتقالية ما بعد الثورة؛ الباجي قايد السبسي. يساعده في إدارة هذا الحزب صديقه وزميله في التجربة البورقيبية الطيب البكوش، وهما يتطلعان إلى إعادة إحياء النهج البورقيبي، بعد أن انقلب عليه الرئيس المخلوع بن علي. ويعتبر نداء تونس الحزب الثاني في البلاد، والأكثر قدرة على تحدي النهضة ومزاحمتها في الانتخابات القادمة.
أما الجبهة التي يقودها السبسي فقد أطلق عليها «الإتحاد من أجل تونس» وهي تضم إلى جانب حزب السبسي بطبعته البورقيبية الجديدة، الحزب الجمهوري، برئاسة الزعيم التونسي المخضرم أحمد نجيب الشابي، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (الشيوعي سابقاً) برئاسة أحمد إبراهيم، وحزب العمل الوطني الديمقراطي برئاسة عبد الرزاق الهمامي، والحزب الاشتراكي برئاسة محمد كيلاني. وتعتبر جبهة الاتحاد من أجل تونس، برنامجياً وسياسياً، ممثلة للتيارات الوسط في البلاد، رغم أن حزبين فيه، هما العمل الوطني، والاشتراكي, يجاهران في وثائقهما بتبنيهما للماركسية، نهجاً سياسياً.
ويفسر هذان الحزبان مشاركتهما في ائتلاف وسط، أنه لقطع الطريق على عودة النهضة إلى الحكم في الانتخابات القادمة، تحتاج البلاد إلى جبهة وطنية ديمقراطية واسعة، تضم القوى الوطنية واليسارية والليبرالية، على اختلاف انتماءاتها الفكرية "وإلا، فإن دخول الانتخابات، مشتتين، وطبقاً لانتماءاتنا الإيديولوجية، سيوفر الفرصة للنهضة لتعود مرتاحة إلى الحكم، لكن هذه المرة ليس لفترة انتقالية لم تتجاوز السنتين، بل لربما لعشر سنوات أو أكثر إلى الأمام."
■ أما جبهة اليسار، ويطلق عليها اسم الجبهة الشعبية، فهي التي تضم إثني عشر حزباً، أهمها حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، الذي كان يقوده الزعيم التونسي شكري بلعيد، والذي اغتيل منذ أسابيع في وضح النهار أمام منزله، ويتهم حزبه السلطات الرسمية، وبشكل خاص النهضة بالوقوف وراء جريمة الاغتيال، إن في التحريض المعلن ضد بلعيد، أو في تمييع التحقيق، ومنعه من الوصول إلى إلقاء القبض على الفاعلين، خاصة بعد أنا باتوا معروفين بأسمائهم ووجوهم للكثيرين.
خلف بلعيد في رئاسة الحزب زياد لخضر، كما تولى خلفاً له، رئاسة الجبهة الشعبية، وتضم بشكل خاص حزب العمل الشيوعي، برئاسة حمة الهمامي، وقد أدخل تعديلاً على اسمه في مؤتمره الأخير بحيث ألغى كلمة «الشيوعي»، لصالح الاكتفاء بصفته حزب العمال في تونس، لكن دون أن يتخلى عن شعار المطرقة والمنجل إلى جانب اسمه وفي تذييل شعاراته.
باقي أحزاب الجبهة، وإن كانت تؤكد انتماءها لليسار إلا أنها في معظمها إما قومية أو ناصرية أو ليبرالية، يمكن القول إنها ذات توجهات يسارية.
تؤمن هذه الجبهة أن الإطار الأكثر قدرة على قطع الطريق على عودة النهضة إلى السلطة، هو الجامع لكل قوى اليسار، لذلك لا تتردد في الطلب إلى حزب العمل الوطني الديمقراطي في الانسحاب من «الاتحاد من أجل تونس» لصالح الجبهة الشعبية.
خارج هذه الأطر تقف كتلة قوية وفاعلة في البلاد، هي الاتحاد العام التونسي للشغل، يقوده أمينه العام حسين العباسي، خلفاً لعبد السلام جراد. ومع أن «الاتحاد» لا ينتمي إلى أي من الكتل السياسية الثلاث، إلا أنه يعتبر نفسه قريباً من أحزاب اليسار وأحزاب الوسط، وفي صراع مع النهضة الإسلامي، ويتهم الاتحاد حكومة النهضة الأولى والثانية أنها لم تدخل أي تطويرات أو تعديلات على البرامج الاقتصادية الموروثة من زمن بن علي، وأن أوضاع البلاد الاقتصادية، في ظل هاتين الحكومتين ازدادت تدهوراً، من حيث ارتفاع نسبة البطالة وغلاء المعيشة، وافتقار السوق للعديد من المواد الضرورية للحياة اليومية. ويتحضر الإتحاد لعقد الجولة الثانية من المؤتمر الوطني لإنقاذ البلاد، كما يقف خارج هذه الأطر حزب القطب الناشئ، ويترأسه منسقه العام رياض بن فاضل، ويعتبر نفسه اقرب إلى الجبهة الشعبية كائتلاف لقوى اليسار.
ثلاثة تكتلات حزبية رئيسية، فرضتها نتائج الانتخابات التشريعية السابقة، تبحث كل منها عن المزيد من التحالفات لتعزيز وضعها في المعارك الانتخابية القادمة.
فمن ستختار تونس، وفي أي اتجاه سوف تسير؟