تديّنا ولم نتحضر.. تأسلمنا، فهل نتغير؟

تم نشره الأحد 28 نيسان / أبريل 2013 04:31 صباحاً
تديّنا ولم نتحضر.. تأسلمنا، فهل نتغير؟
حسين الرواشدة

لم تستطع أسوأ انظمة الحكم في بلداننا العربية استبدادا وقمعا ان تحاصر “حالة التدين” داخل مجتمعاتها، على العكس تماما فقد شهدت هذه الدولة اقبالا متصاعدا على الدين، وشجعت - معظمها - حركته من خلال بناء عشرات الآلاف من المساجد والجمعيات الخيرية، وتركت للدعاة - من غير المحسوبين على الاسلام السياسي - ان يباشروا الدعوة حتى اصبحوا “نجوما” مشهورين، كما فتحت الباب امام “التجار” الذين يمارسون عملهم تحت لافتة “الاسلام” بانشاء مؤسساتهم وبنوكهم، وشهدنا في - المجال الاعلامي- عشرات “الفضائيات” التي تتحدث باسم الدين، ويتصدرها “علماء” ودعاة لا يتركون شاردة ولا واردة الا وتداولوها، من الطب الاسلامي الى الفقه والفتوى الى قصص التاريخ وامجاده ناهيك عن الايمان والخلاص واحوال الامة البائسة.

لكن السؤال لا يتعلق فقط بهذا التشجيع الذي حظي به “التدين” من قبل الدول والحكومات وانما “بنوعية” التدين المطلوب، وفيما اذا كان الهدف منه هو “تنوير” هذه المجتمعات وإتاحة المجال “للدين” الذي تعتنقه في تشكيل وعيها ودفعها الى التحضر والتقدم، ام كان مجرد وسيلة لاغراقها في الماضي واشغالها باستهلاك الدين فقط، ومنعها - بالتالي - من فهم مقاصد الدين وروحه، باعتباره “وسيلة” للتجديد والتغيير، وهدفا “للتحرر” والتحضر، وطريقا نحو النهضة، لا في المجال الفردي فقط حيث علاقة الانسان مع خالقه ومع الاخرين، وانما في المجال العام بكل ما فيه من قضايا “كبرى” ومستجدات معاصرة.

على هذه الارضية ثمة من يسأل اليوم: لقد تديّنا منذ قرون، ولم نعدم وجود الاتقياء بيننا والمصلحين الصالحين، كما لم تعدم مجتمعنا سمة “الايمان” ووازع الخشية والخوف من الله تعالى، فلماذا لم تتحضر امتنا وبقيت - دون سواها من الامم - في آخر “القائمة” الحضارية.. لماذا ظلت “ضعيفة” مهزومة.. وعالة على غيرها رغم ان “ديننا” هو الباعث على التقدم والنهضة والحضارة.. هل المشكلة في “تديننا” أم في فهمنا للحضارة ام في توظيفنا للدين في اتجاهات لا علاقة للدين بها.. بقدر علاقتنا نحن البشر بترتيبها ومعرفة ما نحن ادرى به من غيرنا في شؤون الدنيا وقضاياها المتجددة؟.

وثمة من يسأل ايضا: الان وصلت بعض الحراكات الاسلامية الى السلطة، و”تأسلم” الحكم، فهل ستتغير احوالنا، ام ان “وصفة” التدين هذه التي نتابع بعض تطبيقاتها في المجال السياسي على الاقل عاجزة عن تغيير احوالنا؟

في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها امتنا يبدو ان سؤال “التدين” ما زال ملتبسا، فهل من مصلحتنا مثلا ان نقحم “الدين” في المشهد السياسي رغم اننا لم نمتلك بعد “ارادتنا” الحرّة، ولم نحسم خيارات الديمقراطية الحقيقية التي تناسب مجتمعاتنا، ولنفترض مثلا ان هذا التدين السياسي عجز او فشل في تقديم ما كنا نعرفه من “نماذج” نظرية للدولة المدنية او “للحل الاسلامي” لكل مشكلات الناس او للعلاقة مع الاخر، ايا كان هذا الاخر، او لم يحقق “مشروع” النهضة او حتى الدولة والمواطنة.. ترى من يتحمل عندئذ مسؤولية ذلك.. وهل سيحكم الناس على “الاسلاميين” فقط وتجربتهم او على الدين ايضا.

اخشى ما اخشاه في ظل توظيف “الدين” او استخدام “حالة التدين” في المشهد السياسي، وفي المراحل الانتقالية التي ما تزال فيها مجتمعاتنا منقسمة على نفسها، ونخبنا تسعى للاستحواذ على السلطة، تحت اية لافتة، ان نصل الى طريق مسدود او ان نفاجأ “بالفشل” وعندها لا ادري كم سنة سنحتاج لنقنع الناس بأن “ التجربة” فشلت ومسؤوليتها تقع على “الحركات” ونخبها لا على “الدين” الذي حملها الى الناس او استخدم في غير وقته ومكانه وبدون فهمه فهما صحيحا للوصول للسلطة.

صحيح، الاسلام دين ودولة، والسياسة جزء اصيل فيه، وقيمه ومفاهيمه التي تدعو للعدل والحرية والحكم النظيف والسماحة.. تصلح لكل زمان ومكان.. لكن السؤال هل وصلت حالة “التدين” الى فهم حقيقة هذا الدين وممارسته على الارض.. وهل اقحامها في السياسة وهي كما هي مفيدة لنا.. او تليق بديننا الحنيف؟ ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات