عن الثقة
في طفولتي علمني والدي لعبة ، يقوم بحملي ومن ثم رمي في الهواء ليعود ليلتقطني من جديد بين ذراعيه، فقد كان معتاد على مداعبتي بهذه اللعبة ، وكذلك كنت أنا ، فكل مرة يقوم يحملي ورميي في الهواء ويلتقطني من جديد بين ذراعيه ، كنت أردد عبارة "تمان/كمان" من باب دفعه ليعيد الكرة معي من جديد .
كانت تصدر مني ضحكات وصهونات متكررة من أعماق قلبي ، ربما كان ضحكي في البداية من باب الخوف والرهبة ، ولكنه أصبح في النهاية ضحك ثقة من باب الفرح والبهجة والسعادة ، فقد بت على يقين تام بأن ذراعي والدي قادرين على مسكي ولن يسمحا بسقوطي رغم أثار التعب والإرهاق التي كانت تبدو على محيا الوالد بسبب طمعي الزائد في تكرار اللعبة .
أصبحت هذه اللعبة نقطة ضعفي وبنفس الوقت أصبحت علاجا لإسكاتي كلما ثرت في البكاء ، كونها مصدرا لإسعادي ودافعا بالنسبة لي للضحك والفرح .
ذات مرة حاول أحد الجيران أن يلاعبني بهذه اللعبة وقد قبلت لعشقي لها ولكنه بعد المرة الثالثة ولكون قواه قد خانته سقطنا سويا وثرت في البكاء والصياح.
حاول شخص آخر أن يلاعبني بهذه اللعبة ولكن قواه خانته من المرة الثانية وسقطنا سويا أيضا.
كل القوى خائرة وخائنة إلا ذراعي والدي وحدها التي تقوى على مسكي وتمنعي من السقوط .
لدي الآن طفلة "سارة" علمتها تلك اللعبة وقد أعادت لي ذكريات الطفولة والصبا ، فهي تكرر كلما لاعبتها نفس العبارة " تمان / كمان " وأظنها ستكبر وتعيد نفس العبارة " كل القوى خائرة وخائنة إلا ذراعي والدي" .
كبرنا وتسلل الشيب إلى القلب والرأس وما زالت حكوماتنا تلاعبنا نفس اللعبة ، مرة مع النواب ومرة معنا نحن ، ترمينا في الهواء لنعانق حد السماء ، نفرح ونضحك وننتشي ، لكننا في النهاية نسقط بأحلامنا وأمانينا ونعود مصرين على نفس اللعبة وترديد نفس العبارة " كمان" .
المسألة مسألة ثقة حقيقية لا اكثر وأذرع قوية على الأقل .