سر العشق الامريكي الاسرائيلي
ثمة تساؤل يجول بخاطر كل باحث في السياسة الامريكية - الاسرائيلية عن سر العشق الامريكي الاسرائيلي ، فهل ثمة وشائج او علاقات تفسر هذا العشق والهيام المفرط ؟ وما مدى هذا العشق الذي بلغ درجة الوله والهيمان ؟ وهل هناك روابط مصيرية تستند إلى مصالح استراتيجية امنية مشتركة ؟ او ثمة دوافع اخلاقية قوية تبرر مستوى الدعم الاقتصادي والمالي العالي الملحوظ ، والمؤازرة الدبلوماسية والعسكرية المفرطة ، التي تقدمها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني ، فالدعم الاقتصادي والمالي هو العامل الاول – كما يعتقدون - للحفاظ على امنهم واستقرارهم وسبب تقدمهم وازدهار صناعاتهم ، وسبيلهم للسيطرة والتوسع ، حتى انهم عند قيام كيانهم عام 48 كانوا يستثيرون حماسة اليهود في العالم لاستقطابهم للهجرة إلى فلسطين باثارة العامل الاقتصادي والمالي؛ اذ بين اليهود وبين المال عشق قديم موروث ، حيث احبوه لدرجة العبادة.
ففي هذا المجال المالي والاقتصادي ، تعد اسرائيل اكبر متلق للمساعدات الاقتصادية الامريكية المباشرة منذ عام1976 ، وهي اكبر متلق منذ الحرب العالمية الثانية ، بحصيلة بلغت 140 مليار دولار ، وتحصل اسرائيل على ثلاثة مليارات دولار كمساعدة مباشرة سنويا ، اذ تستلم هذه المخصصات بالكامل في بداية كل سنة مالية ، وتستطيع كسب فوائدها الربحية ، اقول هذا السخاء اللافت للنظر ، والتفاني في تقديم الدعم اللامحدود ؛ بالرغم من ان اسرائيل اصبحت دولة صناعية غنية ، تبيع الاسلحة والمعدات الحربية لدول كبرى كالمانيا والصين ، ويعادل متوسط الدخل فيها تقريبا ما هو موجود في كوريا الجنوبية او العملاق الاسباني.
اما على الجانب الدبلوماسي ، فمعلوم ان الصهيونية تولي هذا الجانب اهتماما خاصا ؛ فهي تعلم ان النصر وكسب المعارك العسكرية او التفاوضية ، يمهد له بالاتصالات الدبلوماسية الذكية ، سئل جنرال صهيوني ما عوامل انتصاركم على العرب في كل الحروب ؟ اجاب ننتصر على العرب بخمسة عوامل ، هي العامل السياسي والعامل الاعلامي والعامل العلمي والعامل الروحي والعامل العسكري. اما العامل الاهم من وجهة نظر الكاتب ، فهو الدعم الامريكي ، ومن ورائه اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط اليهودية ، التي تمثل الدرع الواقي وقوة الردع والصد عن الكيان الصهيوني ، وهذه امثلة:- ففي حرب 1967 ، اصدر مجلس الامن والهيئة العامة للامم المتحدة قرارات تنص على عودة اللاجئين ، وعلى عدم اقرار التدابير الاسرائيلية لضم القدس للكيان الصهيوني ، وعلى انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي المحتلة ، لكن اسرائيل تحدت الهيئات الدولية تحديا سافرا ، ولم تنفذ اية قرارات من قراراتها ، وذلك بدعم ومؤازرة من الولايات المتحدة الامريكية ، ومع ذلك فان اسرائيل تتظاهر بنشاطاتها السياسية بالسلام ، وكسب عطف الدول الاجنبية ، واجبار العرب على الصلح ، وهكذا تقدم اميركا لاسرائيل دعما ومساندة سياسية دبلوماسية مستمرة كاملة على مختلف الصعد ، حيث استخدمت حق النقد الفيتو 32 مرة لصالح اسرائيل ضد قرارات مجلس الامن التي تنتقد اسرائيل ، كما ان الولايات المتحدة تحبط باستمرار جهود الدول العربية لوضع ترسانة اسرائيل النووية على جدول اعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ودائما تقف إلى جانبها في اية مفاوضات من اجل السلام.
اما على الجانب العسكري، فحدث ولا حرج ، فهاجس الولايات المتحدة وهمها الاكبر هو امن اسرائيل الاستراتيجي وحمايتها ؛ فمع ان اسرائيل اولت هذا العامل العسكري اهتماما بالغا ؛ لانها كيان معتد دائما ، ولها اطماع تمدد توسعية ، فقد تحولت اسرائيل بكاملها إلى معسكر تدريب كبير يضم كل الطاقات المادية والمعنوية الاسرائيلية ؛ اذ يبدأ التدريب العسكري لكل اسرائيلي من عمر 12 سنة ، ويستمر حتى 18 سنة ؛ حيث يلتحق الفرد بعد ذلك بالجيش لاداء الخدمة العسكرية الالزامية، وبعد اتمام مدة الخدمة يسرح ليصبح جنديا احتياطيا يدعى للخدمة عند الحرب ، وتهدف اسرائيل من عسكرة شعبها إلى رفع المعنويات ،والتوسع على حساب العرب، اما من حيث الدعم الامريكي العسكري ؛ فتقدم اميركا للكيان الصهيوني مساعدات عسكرية ضخمة بلا حدود ، وتستخدم اسرائيل 25% من قيمة هذه المساعدات لدعم صناعتها العسكرية ، وتشترط اميركا من الدول التي تمنحها مساعدات عسكرية انفاقها داخل الولايات المتحدة الامريكية ، اما في حالة اسرائيل فلا يطلب منها ذلك ، ولا يطلب منها كذلك تقديم كشف عن كيفية انفاق هذ المساعدات كما يطلب من غيرها.
لقد قدمت اميركا لاسرائيل 3 مليارات دولار لتطوير انظمة التسليح لديها ، كما انها تمنحها امكانية الوصول إلى احدث الاسلحة ، مثل مروحيات بلاك هوك، وطائرات ف -16 المقاتلة ، وتسمح لاسرائيل بالوصول إلى معلومات استخبارية ترفض اميركا اعطاءها لحلفائها في الناتو، وقد اغمضت اميركا عينيها عن حصول اسرائيل على اسلحة نووية ، وتهب لنصرتها في كل اوقات الحرب.
نعود لنتساءل ،ما سر هذا العشق الخطر والقاتل احيانا ، وهل ثمة تبريرات لكل هذا الدعم اللاخلاقي الذي يستخدم لقتل الفلسطينين وتدمير منازلهم ، وحرق مزارعهم وممتلكاتهم ؟؟!! انه من الجلي الواضح ان الذي يقف وراء هذا الدعم اللامحدود اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط اليهودية ، التي لا حول لاميركا عليها ولا قوة ، حتى انهم سلبوها حرية اتخاذ قراراتها الوطنية ، ولو تعرض امنها للخطر.
ان من ثوابت الاستراتيجيات الامريكية في الشرق الاوسط مما يعتبر خطا احمرا يمس الامن القومي الامريكي عاملان ، هما ، امن اسرائيل وحمايتها ودعمها باي ثمن ، وتأمين النفط والمصالح الاستراتيجية الامريكية الاخرى.