"حزوبات" لا أحزاب

بعد أن اعتمدنا صيغة الدولة التي بنيت في التجربة الغربية، كان علينا أن نستورد مستلزمات هذه الدولة، ومنها الأحزاب. غير أننا، وهذا طبيعي، لم نتمكن من توطين المفهوم. وبالطبع كلمة "حزب" موجودة في اللغة الفصحى والكلام الدارج، إلا أن سياقات الاستخدام تختلف بين بلد المنشأ وبلد الاستهلاك.
أقتبس فيما يلي فقرة قصيرة من كتاب صادر في لندن عنوانه "الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر":
"فكلمة حزب (party) مشتقة من الجذر نفسه لكلمة "جزء" (part)، التي تعني القسمة أو التجزئة داخل المنظومة، وعلى ذلك فإن للأحزاب السياسية دوراً آخر تقوم به، ألا وهو السعي الى تسوية الخلافات والانقسامات داخل الدولة... وهذه الخلافات والانقسامات لا تمزق الدولة كما قد يتوهم البعض، وإنما تصبح جزءاً مكملاً لهيكلة الديمقراطية في الدولة".
أدعو القارئ الى التدقيق في محتوى هذا الاقتباس، لأنه يوضح أننا استوردنا المفهوم، مع الابقاء على معاني ودلالات الكلمة كما هي في الثقافة السائدة محلياً.
كلمة "حزب" موجودة في العربية في أكثر من استخدام. وفيما يتصل بالسياسة والاجتماع، فإن الحزب هو الجماعة من الناس، ولكن ليس بمعنى الجزء من كل، أو الجزء من منظومة، كما يشير الاقتباس أعلاه. إن "الحزب" في اللغة الفصحى يحمل معاني "الحظ والنصيب"، وقول أحدهم: "أعطني حزبي" تعني أعطني نصيبي وحظي، و"حزب الرجل" هم أصحابه وجنده، والحزب هو الطائفة أو الصنف من الناس... وهكذا الى آخر هذه المعاني التي تشير الى الانقسام التنافري.
في اللهجة العامية هناك ما يؤيد هذه المعاني وينسجم معها، فالتحزب هو الانعزال، وإذا رأينا جماعة تميل الى الخصوصية والانغلاق، قلنا أنهم "حزب" بل "حزوبات"، وذات سنة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، شكّلنا في الرمثا كتلة من الحزبيين لخوض الانتخابات البلدية، وزعمنا أننا ننطق باسم الشعب، فهجانا الشاعر الشعبي! المرحوم محمد مقداد ميّاس بقصيدة جاء فيها:
الكُتْلة والحزْبِيّات، ما نِفْعَتْ بالماضِيات
هيهات يْفيدك هيهات، إنْ نِجِحْ قامْ يْراطِنْ. ( العرب اليوم )