سوريا ذهبت ولن تعود
يتسع المجال لكل الأجندات ولأنواع من التدخلات غير مسبوقة ،ولصور من البشاعة لم تكن متصورة، أو منتظرة، أو أن أحدا فكر في إبداعها من زوايا مختلفة لحالة صراع مرير يحصد الأرواح ،ويستقطب القتلة من كل حدب وصوب ،وتثير رائحة الدم المساح عل جوانبه غرائز الموت لأسماك قرش، ولحيوانات أخرى قاتلة كالتماسيح ،وربما كان للبر نصيب لتجري الأسود بسرعة متزنة ،والفهود والنمور لتقفز لمسافات شاسعة ،وتصل فالفرائس على ( قفا من يشيل) ،وعلى ناصية كل طريق في مدن الموت المعتقة كحلب وحمص وحماه وسواها من مدن تعودت رائحة البارود والديناميت المتصاعد من كل مكان والتفجيرات المدوية والصواريخ المتساقطة كالمطر، لاتفرق بين جندي وطالب جامعة يجالس زميله في المطعم، أو في قاعة الدرس منتظر نتيجة الإمتحان وكلمات الثناء من أستاذه وأحبته ووالدته وأبيه، ليجد أن الموت وحده المجال الذي يتسع لكل ساعات الإنتظار تلك.
سوريا التي عرفناها ،وعرفنا دمشقها كأقدم عاصمة في الدنيا تتعرض لهجوم شرس من دول وجماعات وأجندات ونوايا آتية من جهات عدة. فللشرق فيها مطمع وللغرب كذلك ولمن فيها من بشر وسياسيين ومن قوميات ومذاهب وأطياف مجتمعية. الكل يريد منها شيئا ويحاول أن يفعل في مساحتها مايريد ،الجميع يتحول الى وطني، وجلاد، وضحية، وقاتل ،وموبوء، بالخوف والرعب، وهاتف بأسماء الضحايا من أتباعه وصحبته، لكنه لايعبأ بمن يقتل من مخالفيه الذين يتحولون الى مجرد ضحايا لاقيمة لهم سوى إنهم مادة لمقطع فديو وصورة يقف فيها الجلاد يوجه رصاصات الى الرؤوس ولاندري على من تحسب تلك الرؤوس ولا على من يحسب ذلك الجلاد المكتنز بالشر والرغبة في إنتقام من كل شئ حتى من نفسه؟.
تجري معارك طاحنة في أنحاء من تلك البلاد لايوفر فيها المتقاتلون نوعا من السلاح، أو الحقد، أو الرعب إلا وقدموه في الميدان، ووجهوه لأجساد وأنفس الضحايا بمختلف الأعمار ومن مدن وقرى متفرقة ومتباعدة ،ومن أطياف دينية وسياسية وقومية ومناطقية وعشائرية ليكونوا حطبا للنار المتأججة والمتصاعدة التي يأخذ لهيبها بالألباب ويشتت الضمائر والعقول وتذهل منها النفوس الوجلة التي لاتدري الى أي مصير هي ذاهبة يساند ذلك مجتمع دولي لايهتم أبدا بسوريا وبتاريخها وبشعبها وبماأنتجته من تاريخ فيورد السلاح للمتخاصمين ويزرع بذور الشر في النفوس المتأهبة لصناعة الخوف، وينزع وحدة البلاد ليجعل منها تقاسيم على عود الطائفية المقيتة والقومية الباهتة والمناطقية البغيضة التي لاتريد للإنسان السوري إلا أن يستسلم ويسلم بالأمر الواقع ،ويعيش كمن ينتظر حتفه، ولايعلم من أين يجئ الحتف ،ولاماهي مادته ،ولانوع السلاح الذي سيقتل به ،ولا الجوع الذي يحضر له بطبق من حصار، ومنع وبأساليب لم تعد سوى أدوات للشر يؤمن بها الغرب الذي يصدر الحرية في إعلامه والموت والجوع والحصارات في حقيقته .
وداعا سوريا