إقرار السباعية العربية مبدأَ "تبادل الأراضي" استرضاءٌ لواشنطن لتأجيل الحل السياسي في سورية
تدل كل المؤشرات الميدانية والسياسية بأن مشروع إسقاط النظام في سورية قد وصل إلى طريق ٍمسدود ٍوأن الجيش العربي السوري يحكم سيطرته بشكل متزايد على مفاصل إستراتيجية لحركة التمرد العسكري المدعومة من الخارج. وقد فشل هذا التمرد، بالرغم من الدمار الكبير الذي ألحقه بالبلاد والعباد والاقتصاد، وبالرغم من كل الدماء والأشلاء والمليارات والتفجيرات، في إضعاف تماسك القيادة السورية أو الجيش السوري أو التفاف المواطن السوري والعربي حولهما.
هذا يعني بالضرورة أن أي صيغة حل سياسي في سورية لا يمكن لها أن تتجاوز ميزان القوى الميداني المائل بقوة لمصلحة القيادة السورية، وأن أي مشروع سياسي، بالتالي، لا بد له أن يمر من خرم إبرة القيادة السورية التي تبقى سيدة الموقف بالنقاط، فيما تتهيأ حثيثاً لتسديد الضربة القاضية للخصم الذي تتراجع حظوظه يوماً بعد يوم، فيلجأ للقيام لتفجيرات بين المدنيين ولتنفيذ عمليات اغتيال إن كانت تعبر عن شيء، فإنما تعبر عن عجزه ويأسه وتمسكه بقشة "الإرهاب" الأخيرة.
وفيما يقترب موعد لقاء بوتين وأوباما في موسكو في شهر أيلول المقبل، الذي يفترض به أن يعالج الوضع في سورية وقضايا أخرى، يتململ طرفان بوضوح كأنهما يجلسان على شوك الضب الرقيق (المنتشر في بلاد الشام بالمناسبة): الطرف الأول هو الكيان الصهيوني، الذي بات يدفع الولايات المتحدة دفعاً للتدخل المباشر في سورية بذريعة ممجوجة هي الأسلحة الكيماوية، أما الطرف الثاني فهو جامعة الرسميين العرب التي باء مشروعها في إسقاط القيادة السورية واستبدالها بحفنة من التُبع والأولاد بفشلٍ فاضح، والتي تدرك بأنها باتت، إذا استمرت الحال على هذا المنوال، تعد الأيام قبيل اضطرارها للتوسل لبشار الأسد لكي يعود للجامعة العربية ليضفي عليها شيئاً من المشروعية المفقودة.
وهكذا تجد الجامعة الرسمية العربية، التي لا تمثل الشعب العربي أو الأمة العربية أو القومية العربية كما يحلو للبعض أن يثرثر، كما وجد الكيان الصهيوني، أن فشل التدخل غير المباشر في سورية يستتبع بالضرورة إما شكلاً ما من التدخل المباشر، وإما القبول بالحل السياسي السوري الداخلي، وهذا الخيار الثاني بالذات أصعب على الطرفين من الموت. فالشعب السوري يموت من إطلاق النار، أما الكيان الصهيوني والجامعة العربية التابعة له فيموتان من... وقف إطلاق النار.
ومن هنا التحضيرات على الحدود الأردنية والتركية والتهديد بالتدخل بذريعة أسلحة الدمار الشامل أو إقامة "مناطق عازلة" ترافقها "مناطق حظر جوي" لحماية اللاجئين السوريين الخ... وكذلك محاولة تفجير الوضع طائفياً انطلاقاً من العراق. لكن الولايات المتحدة مترددة، فالطعم المر لتجربتي أفغانستان والعراق لا يزال يعكر مزاجها ويضيق خياراتها ويزعج حلفاءها اليهود والعرب. ولا بأس من مسرحية هوليودية بالتهويش بالتدخل المباشر، لكن رد الرئيس بشار الأسد، عندما تطرق لاحتمالية التدخل عبر الأردن، كان على تلك المسرحية بالذات: لن تفت التهديدات بالتدخل في عضدنا، ولن تحصلوا بالفهلوة على ما عجزتم عنه في الميدان. وتأتي تصريحات السيد حسن نصرالله بأن حلفاء سورية لن يدعوها تسقط لتثبيت الموقف نفسه.
من هنا جاء تنازل وفد السباعية العربية في واشنطن في لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تنازلاً مجانياً على حساب القضية الفلسطينية لاستمالة واشنطن، واللوبي الصهيوني فيها تحديداً، لصف الرسميين العرب في مظهر وحدة سياسية مع الموقف الصهيوني لتسهيل الضغط على الإدارة الأمريكية للتورط المباشر في سورية. والغريب هنا ليس موقف الرسميين العرب، بل موقف السلطة الفلسطينية، ليس لأنها ترفض مبدأ تبادل الأراضي، على العكس، فقد وافق عليه عباس في مفاوضاته مع أولمرت، بل لأن نجاح المشروع الرسمي العربي-الإخواني في سورية يضعفها في مواجهة حماس في الضفة...
وبما أن التنازل الرسمي العربي، بمشاركة وفد مصر الإخوانية، ووفد حكومة بن كيران في المغرب، تم تقديمه بشكل غير مشروط، فمن المؤكد أن الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية سيمسكان به ويبنيان عليه لتحويل التبادل "الطفيف" للأراضي بين "الدولة الفلسطينية" الموهومة و"إسرائيل" إلى تنازل بالجملة عن القدس وحوالي نصف أراضي الضفة الغربية، بغض النظر عما سيجري في سورية.
ولنتذكر أن كل مرة قامت فيها الإدارة الأمريكية بمحاولة "إعادة إحياء عملية السلام" فإن ذلك كان يجري بعيد التهيئة لضربة كبيرة لإحدى الدول العربية. ف"خريطة الطريق" التي وضعت مسودتها عام 2002 كانت من المقدمات السياسية للعدوان على العراق. و"استحقاق أيلول" عام 2011 تبخر مع العدوان على ليبيا في نفس الوقت. و"إعادة إحياء محادثات السلام" عام 2005 هيأت للعدوان على لبنان... وهكذا، وصولاً لإعادة إحياء المبادرة العربية عام 2007 لتحشيد الرسميين العرب ضد إيران... والآن يأتي الحديث عن "إعادة إحياء عملية السلام" للتهيئة لشيء ما ضد سورية.
أخيراً، لا بد من التذكير أن مبدأ "تبادل الأراضي" نفسه هو نتيجة طبيعية لاستبدال هدف التحرير بهدف "الدولة الفلسطينية". فما دام الهدف هو "دولة"، وما دام الطرف الفلسطيني المفاوض قد قبل بمبدأ التنازل مسبقاً، في اتفاق أوسلو وقبله، عن الأراضي المحتلة عام 1948، فإن الخطوة التالية بالتنازل عن أراضٍ في الضفة الغربية والقدس تصبح مجرد رتوش... ما دام الهدف هو دولة!
أما عودة اللاجئين، فحدث ولا حرج. وبالنهاية، لا عودة بلا تحرير، ولا تحرير بلا كفاح مسلح... أما سورية، فالله حاميها