في ليلنا حكاية
لطالما كان الليل رفيقاً للحكايات... ولطالما كان القمر ذاته شاهدا على كل كلمة من تلك الحكايات ليضمن تناقلها كما هي من دون تغيير او تحريف حتى وإن تغير الراوي أو تغير الزمان أو المكان... فليلى مع الذئب هي ذات الليلى... وليلى مع قيس هي أيضاً ذات الليلى... وكذلك هي حكايات الألف ليلة وليلة.... لم تتغير ولم تتبدل...
حين تغفو العيون وينام الراوي تبقى الكلمة مغردة في سماء الأحلام والخيال راسمة حلماً وأملاً لا ينتهي مع نهاية الحكاية ولا يتلاشى كما يتلاشى صوت الراوي حين يغلق كتابه... فالكلمات شبيهة جداً بالمطر... بجمالها ... وحضورها... وبميعادها أيضاً... فكلاهما الكلمة والمطر لهما سحر وجمال خاص لا شبيه له... والكلمة في حضورها لا ميعاد لها ولا اعتراف بحدود المكان التي اختلقها الانسان... فهي تسقط أينما أرادها الله ان تكون...
في أسئلتها الدائمة كانت تبحث عن تتمة لحكايتها في أجزاء من حكاية او حكايات أخرى كان يخفيها... او على الاقل لم تسأله عنها... كان شبيهاً جداً بالشتاء... غامضاً لا توقعات لافعاله او ردودها... وكما هي شمس الشتاء خادعة كذلك كانت ملامحه... والأكثر من ذلك... برد الشتاء كان يذكرها ببرود مشاعره وافتقاره للعواطف... كان تلومه لذلك في قرارة نفسها وتمنع لسانها من مفاتحته بالموضوع... لكنها لم تدري ان عينيها قد تمردتا واخبرتاه بكل ما في القلب...
كان يخفي الاجابة او لعله كان يخفي قصاصات الحكايات القديمة التي بدأت ولم تنتهي بعد...
بعد سنوات من آمال كبيرة اختلطت مع آلام أكبر بدأت العواطف التي تفتش عنها صديقتنا بالاندثار شيئاً فشيئاً كيف لا وقد كبرنا لندرك أن لكل مجتهد نصيب كذبة كبرى مزقتها الواسطة بكل خبث... كبرنا لنعلم أن من جد وجد كما وجد الاب والجد
كبرنا لنعلم أن كل حكاياالحب والعشق في تاريخ الشرق لم تكن سوى كذبة اكبر من سابقاتها... كل القصائد التي حفظناها ورددناها اصبحت يوم بعد يوم كما لو انها من نسج آخرين غير بني البشر ممن عاشوا على هذه الارض ولم يعيثوا فيها فسادا
كيف لنا ان نصدق بعد كل عثرات القلوب وذوبان المشاعر كذوبان السكر في الشاي بان كان هناك ممن احب لسنين دون ان يكلم محبوبته... هو فقط كان ينظم لها أبياتا من الشعر والكلمات... لاشيء سوى كلمات... ومن ثم اصبحوا جميعا مجرد حكايات من حكايات الليل والقمر
الحب والعواطف يا صديقتي هما له كفقاعة من الصابون بيد طفل عابث يصنعها بيده ويبذل كل جهده ليتخلص منها... عام بعد عام تصبح المشاعر مجرد كلمات نخطها على نافذة في الشتاء... هي مجرد أوهام على قلب بارد وسرعان ما تزول
حينما قرر أن يصارحها نطق بجملة واحدة "نحن لم نألف المشاعر يوماً لتكون معنا... ولم يقدمها أحد لنا لنرد بالمثل ونعطيعها... تحجرت قلوبنا في مهدها الصغير وتجمدت دماء العواطف فيها فلم تعد مكانا دافئاً للمشاعر ولم تنبض بالحياة من ذاك الوقت..."
"صديقتي لا تعجبي... هذه هي الحكاية والمضحك انهم اقنعونا بسعادة كل نهايات الحكايات..."