شهبندر التجار..
كلما مرّ ماشياً في السوق شعر بأنه قريب إلى كل تاجر، وبأنه سيكبح شهوة التجارة والربح بالعطايا والمنح، لم يكن لديه أي شعور بالكبرياء والزيف، لكنه كان يحسّ بالوحدة، ومع ذلك كان يحب أن يغدق العطايا على بعض تجار السوق ويخص منهم تجار النخاسة، لإحساسه الكبير بأنهم يعبّرون عنه، وكذا أولئك الذين ما انفكّوا يمارسون مهنة الإتجار بالبشر..!!.
لم يكن الشهبندر لاعباً ماهراً في السوق، لكنه كان ماهراً في حرف التجار عن الحديث بلغة التجارة، لسبب بسيط يتعلق بقناعته بأن التجارة ليست كلاماً وفذلكات وإنما سلوكاً وممارسات، وأن التاجر الناجح هو التاجر الذي يُتقن فن البيع بقليل من الكلام، ولأن السوق لم تعد تحتمل المزيد من التنظير، فإن على التاجر أن يتدرب على التقليل من الكلام حتى يتمكن من ترويج بضاعته..!
الشهبندر يقف اليوم على جانبي شارع المدينة التجاري وسط البلدة، حيث كبار التجار، وصغار الزبائن، يُحدّث الجميع بلغة واحدة مفهومة: ما تبيعون وما تشترون عائد إليّ..!! ولأن البيع والشراء مفيد للطرفين، فإن اللغة الشهبندرية تغلب في أحيان كثيرة، وتتوالى الأرباح على الشهبندر، ليزداد نفوذاً وسطوة في السوق..!
أما التجار البلهاء فقد أحسّوا أنهم أخطأوا حين وثقوا بالشهبندر، وقدّموا له كل التسهيلات التي استطاع عبرها أن يقف بينهم مروّجاً لبضاعة فاسدة غالية الثمن، وظن نفسه أنه حقق في ذلك أيّما نجاح، لكن الشعور الكبير بالغبن والبلاهة الذي سيطر على تجار السوق، قَلَبَ المعادلة، وها هي مجموعة من كبار التجار تجتمع في دارة البلدة القديمة وتُعِدّ بياناً تجارياً نارياً تطالب فيه بعزل الشهبندر ومحاكمته ومصادرة أمواله، فيما الشهبندر يردّ عليهم: لست وحدي فثمّة شهبندرات صغار، وثمّة أبو الشهبندرات، فما بيدكم حيلة..!!!