الرجل الموبايل!!

انه ليس الرجل الوطواط أو الرجل الآلي كما عرفناهما في الحياة والفن، بل هو من طراز جديد يناسب هذا الاختراع الذي غيّر ايقاع حياتنا، ورغم كل ما كتب في الغرب عن الموبايل وما أحدثه من انقلاب في العلاقات الاجتماعية الا ان مستهلكي هذه الاختراعات لا يدركون أعراضها الجانبية شأن صانعيها، لهذا قد يفاجأ البعض بما نشر مؤخراً عن ثلث حالات الطلاق في ايران مثلاً والتي سببها المباشر الفيسبوك.
والأعراض الجانبية لهذا الاختراع في معظم البلدان العربية التي انتشرت فيه عدواه بدأت تتنامى بحيث تصبح غير جانبية على الاطلاق، لكننا كالعادة، تلاميذ نجباء للنعامة التي تغمد رأسها الصغير في الرمال تاركة جسدها كله هدفاً لسهام الصيادين من الانسان والحيوان على السواء.
والرجل الموبايل ليس فقط ذلك الذي يحمله كأصبع سادس في قبضته، أو الذي يشعر كأن بوصلته قد أصابها العطب اذا نسيه في مكان ما، انه ايضاً الرجل الذي يتحول الى مجرد تمثال من لحم وعظم اذا لم يجد الشاحن، والشاحن بالنسبة للرجل الموبايل ليس من كهرباء، بل من كائنات أخرى يعتاش على ما تفرزه من فائضها سواء كان ثقافياً أو اجتماعياً.
ولو مكث الرجل الموبايل، ثلاثة ايام بدون شحن، فهو سيصبح صامتاً كقبر، لا يرسل ولا يستقبل وليس له أي رنين أو حتى ذبذبات.
والرجل الموبايل لا محتوى له، لأنه منزوع الذات، ورأيه في السياسة هو صدى لآخر صوت سمعه من جار أو زميل أو حتى أحد المارة، ذلك لأنه من سلالة المرايا التي لا محتوى لها ايضاً فهي فقط ما تعكسه، وحين لا تجد ما تعكسه تصبح مجرد فراغ سحيق!
وظاهرة الرجل الموبايل ازدهرت في أيامنا حيث الثقافة مجرد نتف من هنا وهناك، من برنامج حواري في فضائية الى ثرثرة في مقهى، وحين لا يجد الرجل الموبايل ما يقوله يتلهى بهذه الدمية ذات الرنين، ليوهم الآخرين بأنه على اتصال لا ينقطع مع العالم، وحين يصطنع هيئة المثقف أو المفكر تبعاً لتمثال رودان الشهير عن الرجل الذي يضع أصبعه على صدغه وينظر الى اللاشيء يكون في الحقيقة مستغرقاً في نميمة اجتماعية أو في استدراج فتاة أميّة لكنها تعرف أنواع القهوة التي تقدم في المقاهي الحديثة، وثلاث كلمات بالانجليزية وكلمة فرنسية واحدة أما اللغة العربية فإن سائحاً زار المنطقة مرة واحدة يرطن بها بأفضل مما ترطن!
ودائماً أتذكر عبارة لباسكال، هي أن سبب شقاء البشر هو كونهم غير قادرين على احتمال العزلة والمكوث لأيام في بيوتهم، ولو عرف المسيو باسكال كم هو ثمن العزلة وتكاليفها في أيامنا لاعاد النظر. فالعزلة ممنوعة والحصار من كل الجهات، ضجيج سيارات ورنين هواتف واشتباكات ديكة وزفير مكيفات هواء ونباح ومواء!
ما من سبيل لتجنب الرجل الموبايل، فهو يفاجئك في المقهى والمصعد والرصيف وأحياناً يتسلل الى المرايا في كل مكان!
اننا نعيش عصر الرجل الموبايل!! ( الدستور )