رئيس وزراء اليابان يكشف سر المفاتيح الثلاثة لمعيار العلاقات اليابانية القادمة في الشرق الاوسط
القى رئيس وزراء اليابان شينزو آبي من على منصة جامعة الملك عبد العزيز في جدة خطابا حاسما وقويا بين فيه الاسس والاطر التي تتطلع اليابان لاقامة تعاون اقليمي مشترك ، وحدد آبي ما سوف تقوم عليه العلاقات القادمة في الشرق الاوسط، وياتي خطاب أبي هذا في خضم تخبط سياسي وتفرق وتشرذم عربي يبسط بظلاله السوداء على كافة بقاع الوطن العربي.
السيد آبي رجع بتاريخ العلاقات السعودية اليابانية الى عام 1938 منذ القرن الماضي ، اي بداية عهد ال سعود في المملكة لذلك فقد كان السيد آبي ذكيا جدا حين اختار جامعة الملك عبد العزيز للربط بين بداية عهد المملكة وبين جامعة تحمل اسم مؤسس الدولة السعودية ، وكيف ان العلاقة تميزت بتعاون صناعي واكاديمي متميز اتت بثمارها الى انشاء شركة بيترو رابغ ، وهي شركة قائمة بالمناصفةً بين شركة أرامكو السعودية وبين شركة سوميتومو للكيماويات اليابانية، التي تعتبر من اشهر واهم الشركات على مستوى العالمي بانتاج الإثيلين . وساهمت شركة سيارات تويوتا في إنشاء "المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات" لبناء جيل فني متخصص في علم السيارات. وحديثا تم في شهر كانون الأول من العام الماضي انشاء مصنع تجميع لسيارات النقل من قبل شركة إيسوزو.
ما يرمي اليه اليه السيد آبي - والذي بحد ذاته ما ترمي اليه اليابان- هو وضع دستور ومنهاج لالية التعامل مع الشرق الاوسط ، وقد يبدو واضحا هنا ان القلق الياباني للوضع السياسي عالي جدا ، لان المصالح الاقتصادية لليابان تستشعر الخطر الكبير اذ لم تتبنى اليابان سياسة جديدة تتلائم مع المتغيرات العربية ، التي باتت متغيرة بشكل مضطرب بعيدة كل البعد عن اي توزان اقتصادي وسياسي ، وظهور جماعات ضاغطة يغلب عليها الطابع الديني الذي لم تعهده اليابان . وتعتبر اليابان نفسها انها اصبحت في مناى كبير لما يدور حاليا في الشرق الاوسط من الصراعات الاتنية الطائفية ، في دولة يغلب عليها غياب الطابع الديني في كافة عناصر الحياة . فكما نعلم ان اليابان لا يحكمها اي طابع ديني طبقا للدستور الياباني الذي يعتبر الدولة بلا دين (شينتو) . فلا غرو ان نرى اليابان باتت بالفعل تخشى على مصالحها الاقتصادية في بؤرة من المتغيرات السريعة ، وقد تاتي هذه الخطوة فعليا بعد الحادث الذي اودى بحياة عشرة يابانيين التابيعين لشركة "جيه جي سي" اليابانية النفطية في عين أميناس في جنوب الجزائر. وقد شعر اليابانيون ان مصالحهم الاقتصادية اصبحت في خطر لغياب الامن والسلامة اضف الى ذلك البعد الثقافي بين دول الشرق الاوسط واليابان فكثير من اليابانيين مازلوا لا يعرفون الكثير عن الثقافة العربية.
ان الملفت في خطاب رئيس وزراء اليابان الذي القي في بالامس قد اسس لسياسة اليابان القادمة في الشرق الاوسط وعلينا نحن في الاردن وفي الوطن العربي ان نتمعن وندقق ما يرمي اليه هذا الخطاب الهام ، وقد اطلعت على الخطاب وقراته بتمعن شديد ، وقد توصلت الى ان سياسة اليابان القادمة في الشرق الاوسط سوف تقوم على بضعة عناصر اساسية وقد اشار اليها رئيس حكومة اليابان بالمفاتيح وقد ركز على ثلاثة مصطلحات اساسية ارتكزت على المحاور الثلاثة (1-التعايش 2-التعاون 3-التسامح )
ونلاحظ هنا ان المبادئ الثلاثة هي في طابعها ترمي الى بعد مهم وهو نبذ العنف والارهاب والبعد كل البعد عن كل ما يزيد من التفرق والتطرف تحت اي مبدأ طائفي وديني وعنصري ، وهو بطريقة غير مباشرة مبدا ما قامت عليه الدولة اليابانية وهو بلا شك الدستور التي تقوم من اجله اليابان بمساعدة دول العالم الثالث ، بدون اي تعصب مذهبي او طائفي او عنصري وقد يكون هذا سر نجاح اليابان في تاسيس مكانه عالمية تحظى بكل الاحترام والمحبة لانها تنظر الى الشعوب من منظور التعاون والتعايش والمحبة والسلام.
ومما يهمنا نحن في الشرق الاوسط ان الخطاب اشار الى سياسة اليابان الخارجية من الان فصاعدا والتي سوف تعتمد على ما يلي:
1- التوسع الكبير في التعاون والتكامل الصناعي : اذ لم تعد اليابان تنظر الى الشرق الاوسط من منظور النفط والغاز، بل سوف يمتد هذا التعاون الى عدة مجالات زراعية وطبية وطاقة اي بصفة كلية إلى تكامل اقتصادي وصناعي. واليابان تنظر الى فتح افاق جديدة في مجال التعاون المتبادل في الطاقة والمياه وخاصة في الطاقة الشمسية ، وطرق المحافظة على مصادر المياه والطاقة النووية ، ومن ثم الوصول الى تعاون زراعي ورعاية طبية عن طريق تقديم معدات واجهزة طبية ذات تقنية عالية.
2- ان اهم عنصر للوصول الى التكامل الاقتصادي هو التركيز على مبدا التعايش وقد اطلق السيد آبي على الشرق الاوسط مصطلح جديد وهو (الشرق الاوسط الشاب او الشرق الاوسط النامي) واليابان تنظر الى الشرق الاوسط كمحطة جديدة نحو الانطلاق لتحسين اقتصادها الذي عانى الكثير من التراجع خلال العقد الماضي ، وقد اعطى السيد ابي ان مراكز الانطلاق نحو اقتصاد قوي هو التركيز على: السياسات النقدية، والسياسات المالية، واستراتيجيات النمو الاقتصادي لكي تعود اليابان "مرة أخرى دولة تمتلئ بالحيوية والنشاط وذلك بإطلاق هذه الأسهم بقوة وبسرعة وبدون توقف". وقد ركز السيد ابي ان العالم لم يعد منقسما كما كان سابقا جانب يبيع وجانب يشتري ، بل هنالك نوع من المصالح المشتركة في سبل ادارة الموارد الطبيعية.
3- التعاون هو المفتاح الثاني نحو السياسة القادمة في الشرق الاوسط لان اليابان على يقين ان الشرق الاوسط الان يشهد تحول تاريخي هام في شمال افريقيا وهي نقطة تحول تاريخية ، وبغياب هذه المنطقة الحساسة سوف تصبح دائرة التكامل الاقتصادي من الشرق الاوسط الى شمال افريقيا غير مكتملة ، ولا بد هنا من التعاون الى اعادة هذه المنطقة الهامة الى دائرة التكامل الاقتصادي . واليابان وحدها لن تستطيع ان ترسي قواعد الاسقرار الى هذه المنطقة ، وهنا لا بد من تعاون على مستوى اقليمي بين كل من السعودية والامارات وتركيا. وهنا نلاحظ ان اليابان تسعى الى انشاء مركز تعاون اقليمي مشترك تقوده ثلاث دول اقليمية مهمة وهي الامارات كدولة اقتصادية لا يستهان بها والسعودية كدولة اسلامية لها وزنها وثقلها بين الامة العربية والاسلامية وتركيا ، والسوال هنا لماذا تركيا؟ تركيا باعتقادي الشخصي ان اختياريها في هذه اللحظة من قبل اليابان قد يكون له تفسيرين : الاول ان تركيا حليف استراتيجي عسكري قديم اثناء الحرب العالمية الثانية ، وثانيا ان تركيا دولة علمانية لا تقوم على اي دستور له صبغة دينية ، وهي ايضا –تركيا - تلعب دورا سياسيا في المنطقة بين الدول العربية من مبدا التعايش المشترك في المنطقة والازمة السورية خير دليل على ذلك.
4- اما العنصر الثالث فهو التسامح وهنا ترى اليابان ان اهم عنصر للتعاون الاقليمي لا بد ان يكون قائما على التسامح والدين الاسلامي ضرب امثلة كثيرة في التسامح ، واليابان تتطلع الى اعادة احياء هذا الفكر التي قامت عليه الحضارة الاسلامية ، الذي سيساهم بلا شك بنقل كافة المعطيات اللازمة لتاسيس لمنهج تكنولوجي رائع في هذه المنطقة ، اخذين بعين الاعتبار ان الكوارث الطبيعية التي عصفت بالبلاد ساهمت في مبدا تعزيز التعاون والتسامح في نفس اللحظة . واكبر مثال على هذا التعاون والتسامح زلزال فوكوشيما الذي ضرب اقوى الامثلة على التعاون والتسامح.
وفي نهاية الخطاب اعلن رئيس وزراء اليابان ان حكومته ستضع ثقلها الى البدء في التعاون الاقليمي من خلال توظيف 2.2 مليار دولار مخصصة الى الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، وسيوجه جزء من هذه المخصصات للتركيز على الحوار الامني وتعزيزه بين هذه الدول ، من أجل تأسيس وترسيخ الاستقرار والسلام ودفع التعاون بين دول المنطقة وسيكون مشروع "ممر السلام والازدهار" بين الأردن وإسرائيل وفلسطين اكبر مثال على مبدا تحقيق الامن والسلام بين هذه الأطراف وتعاونها معاً. ولتحقيق مبدا التعاون ونقل التكنولوجيا ستسعى اليابان ، خلال الخمس سنوات القادمة الى تنفيذ برنامجا تدريباً لحوالي 20 ألف شخص وسترسل خبراء لكل دول الشرق الأوسط وستزيد من عدد الطلاب الذين يأتون للدراسة في اليابان ، وستساهم بشكل كبير وتشجع مبدأ الحوار بين الأديان المختلفة وترسيخ روح التسامح.