الحب العذري و الصابون النابلسي
سيستغرب القارىء من ربط الحب العذري بالصابون النابلسي و حتى لا اجعله ينتظر طويلا لمعرفة ذلك اوضح له التالي :
الواقع ان جيل النكبة الفلسطينية الثالث و هو جيل ابنائي و بناتي , هذا الجيل لا يعرف معنى الحب العذري كما عرفناه نحن و كذلك لا يعرف معنى و قيمة ان يكون الصابون نابلسيا .
فالحب العذري هو الذي قرأنا عنه في الادب و الشعر العربي حيث ارتبط في ايام العرب قبل الاسلام الكثير من الاسماء التي اشتهرت بمثل هذا النوع من الحب امثال عبلة و عنترة - مجنون ليلى - جميل و بثينة - لبنى و قيس, و كانت معلقات الشعر تبدا بالحديث عن هذا الحب كما في بيت شعر لكعب بن زهير :
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ **** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
و يعني ذلك مشاعر الحب الجميل و لكن عن بعد و مشاعر العشق و الوله من كل طرف للأخر و بدون لقاء او صور او فيديو او جوال او فيسبوك او بريد الكتروني .
و انما مشاعر متأججة يستعد الانسان ان يضحي بحياته من اجل الطرف الاخر و كان حبا شريفا عفيفا طاهرا و لذلك جاء الاسلام بعد ذلك ليؤكد حرصه على اعراض الناس و يحرم اللعب و العبث و الاعتداء عليها و هو تأكيد على القيم و الشهامة و الاخلاق العربية العالية .
و لذلك فجيلنا و هو الجيل الثاني للنكبة الفلسطينية ورث هذه العادات و هذه التقاليد بالاضافة الى البعض الذي ورث التدين ايضا .
فنحن و رغم أننا جئنا من بيئة قروية و دخلنا الجامعة المختلطة و في عصرنا كان الاختلاط جديدا علينا و لباس الفتيات كان فاضحا و غير محتشم و لكن لم يخطر ببالنا أي سوء تجاه هذه الفتاة سواء كانت زميلة في الدراسة او بنت الجيران او ابنة العم او الخال انما جميعهن نعتبرهن عرضنا و شرفنا و التقرب هو للحفاظ عليهن و لحماية هذا العرض و الشعور الكبير تجاه الجنس الاخر كان شعور المحبة و التقدير و الاحترام و الحرص و لم يكن شعورا مرتبطا بالجنس .
اما شعور الحب العذري فانا عشته حقيقة مع ابنة عمي عندما كانت خطيبتي حيث تمت الخطبة بين الاهل و نحن صغار ( عطية جورة ) و هي الان زوجتي حيث كنت عندما اسمع خبرا عنها من الاهل او الاقارب اكون منتشيا و في منتهى الفرح و السعادة و الحبور و عندما كنت اكتب رسالة لها حيث كنت اعيش في الاردن و هي تعيش في فلسطين كنت ابيضها اكثر من اربع او خمس مرات اي اعيد كتابتها و صياغتها حتى تصل على اكمل و اجمل وجه و كلها تعبر عن قمة الشعور الجميل و الرائع تجاه الطرف الاخر .
في هذا العصر اعتقد ان هذه المشاعر الجميلة و الرائعة بعد الانفتاح الاعلامي الهائل و لسهولة اللقاء و الاختلاط و الاتصال خف هذا الشعور الجميل حتى تلاشى الا عند فئة قليلة و هي الفئة المتدينة بعمق , فأتحسر على فقدان هذا الشعور الجميل الرائع عند هذا الجيل .
اما الصابون النابلسي فله حكاية اخرى فلن يستعمل هذا الصابون الا جيلنا و هو الجيل الثاني للنكبة و لكن الجيل الثالث كابنائي و بناتي لا يعرفونه و لا يستعملونه و لا يستمتعون به .
فنحن في جيلنا الثاني عندما نستعمل هذا الصابون فاننا نشتم فيه رائحة فلسطين لانه مصنوع من زيت الزيتون الفلسطيني و مرتبط بصناعة فلسطينية كاملة و ليس تقليدا لاي منتج غربي و فيه عراقة عائلات فلسطينية ضاربة في اعماق التاريخ و التي صنعت ذلك الصابون قبل ان ترى فلسطين مستعمرا او صهيونيا واحدا .
فالعدو الصهيوني سرق من الشعب الفلسطيني كل شيء ابتداء من ارضه و تاريخه و سرقة تراثه و لباسه و نسبوه اليهم و سرقوا مأكولاتنا الشعبية ايضا من فلافل و حمص و فول و في المستقبل قد نرى سرقتهم لاكلة المسخن و المقلوبة و المنسف حتى يجردوننا من كل شيء تقريبا . و الشيء الوحيد الذي لم يحاولوا سرقته هو الصابون النابلسي لكونه مرتبط بالنظافة و الطهارة و التخلص من كل الاوساخ و القاذورات و لهذا بقي هذا الصابون لنا لنستعمله لتنظيف ارضنا و وطننا فلسطين التاريخية من رجسهم حين يغربوا عن وجوهنا و يزول هذا الاحتلال الغاصب فلا بد من غسل و تطهير كل شبر من ارض فلسطين التاريخية من هذا الدنس .