كارثة الانقسام السياسي

المجتمع السياسي الأردني منقسم بحدّة على نفسه ولم يعد أمره حكومة ومعارضة كما هو الوضع سابقا، وإنّما حكومة وحدها، معارضة من أطراف الموالاة بحسابات خاصة, معارضة الحركة الإسلامية, معارضة الأحزاب الأخرى، الوسطية واليسارية، وكلٌّ من منظاره الخاص به, تجمعات المستقلين والشخصيات السياسية، الحراك، الحركة السلفية بأنواعها. ومع هؤلاء مجاميع الغاضبين من المتعطلين عن العمل، الطلاب, أصحاب الحقوق من العمال والموظفين باعتصاماتهم واحتجاجاتهم، عمال المياومة، عمال وأصحاب قطاعات الزراعة والصحة والتجارة وغيرها.
أمّا مجلس النواب فإنّه الأكثر تعبيرا عن الانقسام السياسي، إذ كل من فيه لا تربطهم ببعضهم جوامع سياسية، وإنّما مصالح يتعاونون أو يتنافسون عليها, في حين تتركّز علاقاتهم مع الحكومة وباقي مكونات الأطياف السياسية انطلاقا من رؤى حسابية ليكون مرة بجانب وفي أخرى بجانب آخر. أمّا الأجهزة الأمنية فإنّها الأكثر تماسكا في المشهد، وذلك لجهة المسؤوليات والتعاون الأمني وتنفيذ المهام, غير أنّ ذلك لا ينفي التنافسية والحسد السياسي والمواقعي.
وعليه، فإنّ الحكومة كسلطة، والنواب كسلطة أيضا، يبحران وسط أمواج عاتية لن تمكّنهما من تحقيق منجزات وبدلا منها عمليات ترقيع بالمستويات كافة، وهذا حال سيعمِّق بالمحصلة حالة الانقسام التي في لحظة لن ينفع معها الترقيع، وإنّما البدائل.
في أجواء يلفّها لهيب الأوضاع الإقليمية والتربُّص المتبادل ينبغي الالتفات السريع لتحديد المرض وأماكن الأوجاع واختيار الأدوية المناسبة, فإذا الحكومة تقرّ بالأزمة المالية, وتعهّدت لقانون انتخابات جديد, وتخشى على الوحدة الوطنية، بذات الوقت الذي تعرف أنّها محل رفض واسع, ولا تمانع الإصلاح. في حين أنّ المعارضين والمخالفين لها محددون من جهتهم لما يرونه ويريدونه، وأبرزه حكومة إنقاذ وطني، وتعديلات دستورية وإصلاحات جديّة. ومن جهتهم أيضا، يقرّ النواب بما في مجلسهم من نواقص, ويدركون هشاشة التمثيل وما يلزم لإصلاح الأمور.
أمّا مقابل هؤلاء تقع الأجهزة الإستراتيجية للدولة, وهذه هي التي أكثر من يدرك كل ما يدور، وعليه يكون أمام الجميع خيار واحد وحيد كي يخرجوا سالمين, والأمر محدد بإنهاء الانقسام السياسي عبر الحل الديمقراطي لاختيار السلطات وذلك بالسرعة وفورا والآن. ( السبيل )