رسالة من فلسطين

تم نشره الثلاثاء 14 أيّار / مايو 2013 11:52 مساءً
رسالة من فلسطين
نذير حداد

أخي في العروبة

ألف تحية من فلسطين الشهداء الأبرار

وألف سلام من فلسطين المناضلين والمجاهدين الأشراف وبعد

إستلمت رسالتك العزيزة وأشكرك على عواطفك النبيلة واثمّن لك مشاعرك الرقيقة وكلماتك الجيّاشة تجاه ما آلت إليه أوضاعنا واُقدر لك في ذات الوقت ظروفك القاهرة في عدم إستطاعتك زيارتنا في الوقت الراهن، متفهما ً الأسباب السياسية التي تمنعك من ذلك، مؤكدا ًلك بأننا هنا والحمد لله بكل خير وقد تعودنا على كل شيء وخاصة الإتكال على الذات عملا ً بالقول "لا يحك جلدك مثل ظفرك"

وجوابا ًعلى سؤالك عن أحوالنا وكيف نعيش هذه الأيام العصيبة، اُخبرك بأن كل شيْ على ما يرام وأن الاُمور تسير بالإتجاه الصحيح. لذا ... لا يكون لك فكر بهذا الخصوص، فنحن نستيقظ (إن كنا قد نمنا في تلك الليلة) مع إشراقة كل طائرة إف 16 تعقبها مروحيات الأباتشي وعلى أزيز كل صاروخ ونسمة هدير كل دبابة ودوي كل قذيفة ومع زقزقة العصافير (المطاطية) التي تغرّد من فوق رؤوسنا ومنها من عشعش في أبداننا وفقأ عيوننا. نعم ... هكذا نستيقظ كل صباح وهكذا نغفو كل مساء والمرارة تغص في حلوقنا وتكاد تسد مجرى الهواء فيها. نبحث عن كأس من الماء لنزيل هذا العلقم فلا نجد الكأس ولا الماء، ناهيك عن المطبخ الذي قام العدو الغاشم بهدمه من جملة ما هدمه من منازل ومحلات تجارية ولم يبقى لدينا سوا "جرة وكيلة"، منها نغتسل ومنها نشرب لنروي ظمأ القهر في أجوافنا

بعد الإفطار (!؟) ... نذهب كالمعتاد وبهمة ونشاط إلى العمل، تساعدنا في ذلك جداتنا واُمهاتنا وأطفالنا، نجمع ما نستطيع حمله من حجارة (سلاحنا الفتاك المحرّم دوليا ً) لنزوّد بها إخواننا المناضلين دفاعا ً عن فلسطين الغالية من أنياب العدو الشرس، أو الأصح ... دفاعا ً عن ما تبقى لنا من الأطلال. ومن ثم نذهب إلى ما كان يُسمّى سابقا ً بالمزارع بعد أن جرفها هذا العدو اللعين وسوّاها مع الأرض ولم يتبقى منها إلا حطب نجمعه إستعدادا ً لقدوم فصل الشتاء الذي أصبح قاب قوسين من أجسادنا العارية ولكنها حتما ً ليست بالهزيلة ولا الضامرة، من حيث أننا نغذيها بفيتامين "ج" (ألجهاد) والرغبة النضالية اللازمة، مستمدة من عزيمتنا في البقاء على قيد الحياة حتى تتحرر أرض أجدادنا المغتصبة، مضحين بكل غال ونفيس لهذه الغاية المسماة زورا ً من قبل العالم المتحضر بِ "الإرهاب غير المشروع"، متضرعين إلى الله عز وجل شأنه أن يقودنا إلى النصر الأكيد عما قريب بعونه تعالى

أما كيف نقضي الأيام والليالي، فلدينا ما يكفينا من أعراس الشهداء الأبرار الذين نحتفل بهم كل يوم، لا بل على مدار كل ساعة، فنهلل ونزغرد ونرقص لكل شهيد وشهيدة، آملين أن نلحق بهم إلى جنات الخلود ... إن شاء الله العلي القدير

الأهل والحمد لله بكل خير ... والدي يتعافى من قذيفة مزقت أحشائه ووالدتي تشكو من بقايا شظايا إستقرت في ساقها ولكنها (كعهدك بها) جبّارة لا تكل عزيمتها وتقوم بأعمال المنزل كعادتها (عفوا ً ... ما تبقى من المنزل بعد أن صار ركاما ً وأطلالا ً) وبرباطة جأش لا يتحلى بها إلا المؤمنين بقرب الفرج بعد ضيق. وهي مع كل ذلك تتزعم نساء وفتيات منطقتنا وتحثهم على الإستمرار في الجهاد المقدس حتى آخر قطرة دم

أخي البكر إستشهد (كما ربما تعلم) في عملية بطولية دفاعا ً عن القدس والأماكن المقدسة وأخي التوأم سبقه إلى الجنة يوم كان يسير قرب باب العامود بحثا ً عن دواء لساق والدتي، حيث تعرّضت له ثلة من المستوطنين الأنذال مدعومة من بعض الجنود المجرمين فأوسعوه ضربا ً وركلا ً ونكلوا به أبشع تنكيل. أما أصغر إخواني والبالغ من العمر 8 سنوات، فقد كان عائدا من مدرسته وهو فرح بنجمة ذهبية ألصقتها معلمته على جبينه كونه كان الأحسن بإلقاء الأناشيد الوطنية، فتلقفه قناص مجرم وعديم الضمير، حارما ً إياه من زف الخبر إلى والدته المنتظرة عودته على أحر من الجمر. أما شقيقتي الصغرى مريم، بنت الأربعة أشهر، فقد قتلوها حين لم تكن قد إنتهت من الرضاعة بعد في حضن اُمي

وبالنسبة لباقي إخواني وأخواتي فهم لا يزالون مع غيرهم من المناضلين الفلسطينيين الشجعان في ساحات المعارك الدامية، يقارعون العدو المغتصب ويقلقونه ليل نهار، حيث صار قريبا ً من الإنهيار

ونهاية ... تحياتي الحارة إلى الجميع في كل مكان من بلاد العُرب أوطاني وشكرا ً لمؤازرتنا في نضالنا المستميت بكل الإمكانات المتاحة والدعم المعنوي اللامحدود.

والله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر فوق المعتدي

ودمت لأخيك، شهيد المستقبل



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات